رياضة

تقبل الفوز والخسارة مرض عضال في رياضتنا … عصا اتحاد الكرة غير كافية منذ الأزل

| محمود قرقورا

ما حدث ويحدث في دورينا الممتاز من مشكلات وخروج عن النص بشكل فضائحي بداية من مباراة السوبر بين تشرين والوحدة مروراً بمباراة الساحل وجبلة وانتهاء بمباراة جبلة وتشرين أمر مثير للدهشة والاستغراب.
وما حدث مع ناديي الوحدة وتشرين على هامش صدور أخبار أولية عن احتمال حرمانهما من المشاركة في مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي إثر خطأ موظف مسؤول في قبة الفيحاء أمر أكثر دهشة واستغراباً.
والمؤلم حقاً أن ما حدث يوم الجمعة الفائت ليس الفصل الأخير من مسرحية فوضى الملاعب، وأن قضية مشاركتي الوحدة وتشرين ليست الأخيرة في مسلسل الاستهتار وتقاذف المسؤوليات.

ثلاث مباريات في ثمانية أسابيع

على مدار 900 مباراة مونديالية خرجت ثلاث مباريات عن النص وتحولت إلى معارك ولكن في ملاعبنا سقطت الأخلاق الرياضية في ثلاث مباريات من أصل 57، والأمور تصاعدت في المباريات الثلاث المذكورة أكثر من غيرها من المباريات الأخرى، ولكن ذلك لا ينفي التهم عن مباريات أخرى ولو في الدرجات الأدنى، ومباراة المحافظة ومعضمية الشام يوم الأربعاء الفائت بدوري الدرجة الأولى شاهد حي على اختلاط الحابل بالنابل وكأن لاعبي الفريقين يخوضون مباراة مصيرية للتأهل لكأس العالم مع أن رئيسي الناديين محمد السباعي ومحمد كتكوت مشهود لهما بالإدارة الناجحة والتوعية الصحيحة، ولكن ماذا يفعلان أمام لاعبين نسوا كل شيء بأرض الملعب؟

إذا عرف السبب بطل العجب فكوادر الأندية المطالبة بنشر التوعية من إدارات ومدربين ولاعبين وروابط مشجعين وحتى إعلاميين مناصرين لهذا الفريق أو ذاك يقعون بالفخ قبل غيرهم وتصدر عنهم تصرفات بعيدة عن جوهر اللعبة، فيكونون أدوات تحريض لصب الزيت فوق النار، فيتحول اللاعب الثاني عشر (الجمهور) لوبال على فريقه، وبدل أن يكون السند والداعم يتحول إلى مستنفد لخزائن الأندية إثر العقوبات المالية التي يتسبب بها، وبدل أن تنتعش خزائن الأندية بالمال الذي هو وقود اللعبة تنتعش خزائن اتحاد الكرة الذي يتحول إلى جابٍ دون أن يدري.

شواهد من دورينا

منذ الأزل ومشكلات وأزمات الدوري السوري بدرجته العليا لا تنتهي بغض النظر عن هوية رئيس اتحاد اللعبة، ففي النسخة الأولى موسم 1966/1967 توقفت مباراة الذهاب بين الساحل والحسكة (حطين والجزيرة) وقرر اتحاد اللعبة حينها برئاسة طيب صفوة معاقبة لاعبين من الطرفين فضلاً عن إعادة المباراة بأرض محايدة في حلب خوفاً من تكرار المشهد وإقرار مباراة الإياب في حلب أيضاً.

وفي دوري 1968/1969 حدثت مشكلات في مباراة غازي وقاسيون (الفتوة والوحدة) ومباراة السوري والوحدة الحمصي (اليرموك والكرامة) وقرر اتحاد الكرة حينها زمن محمد السيوفي شطب نتائج غازي والسوري ذهاباً وبدء مرحلة الإياب من العلامة صفر، وجدول الترتيب النهائي لذاك الدوري يشير إلى أن أندية بردى وحلب الأهلي والحسكة ودمشق الأهلي والوحدة والفداء وقاسيون لعب كل منها 14 مباراة مقابل 8 مباريات لغازي والسوري.
وفي دوري 1972/1973 انسحب الشرطة رافضاً إكمال المباراة بمواجهة الجيش فشطبت نتائجه زمن رئيس الاتحاد أحمد الحسين.

وفي دوري 1983/1984 اعتدى جمهور الفتوة على الحكم جمال الشريف فعوقب نادي الفتوة بالهبوط للدرجة الثانية زمن العميد فاروق بوظو.

والكل يتذكر أحداث الفساد التي رافقت دوري 2008/2009 زمن اتحاد أحمد جبان التي تمخض عنها حل الاتحاد الرياضي العام واستقالة اتحاد كرة القدم.
هذا في الظاهر وفي الخفاء ما أكثر المسرحيات الهزلية من بيع وشراء مباريات والسماح بمبدأ التحفيز الذي يخفي في ثناياه تساهلاً ملحوظاً من فريق ما تجاه غيره واتحاد الكرة متفرج!
وما أكثر الدوريات التي حدد بطلها أصحاب الزي الأسود فاقدو ميثاق الشرف الكروي واتحاد الكرة متساهل حيناً ومغلوب على أمره حيناً آخر!

كل الأدوية لم تنفع

تعاملت اتحادات كرة القدم المتعاقبة بمختلف الطرق للحد من ظواهر الشغب وكلها لم تجد نفعاً، وهذا عايشته متابعاً بكل جوارحي للعبة على مدار أربعة عقود، فحرمان اللاعبين المتورطين لم يردع غيرهم.
واللعب من دون جمهور لم يثن الجمهور عن افتعال المشكلات بعد فك الحظر عنه.
وعقوبة شطب النقاط التي تسببت بهبوط أندية عدة للدرجة الأدنى لم تكن دواء ناجعاً.
وشطب الأندية المتخاذلة كما حدث مع النصر وعمال القنيطرة خلال دوري الدرجة الثانية موسم 1988/1989 لم يكن حلاً.
والسبب أن الحماقات مستفحلة عند أكثر من طرف والحماقة كقول الشاعر: أعيت من يداويها.

وزاد الأمور سوءاً وتأجيجاً للخلافات مواقع التواصل الاجتماعي وبات كل شخص يقدم نظرياته وأفكاره على صفحته وكأنه نهل من مدرسة أرسطو وأفلاطون، ويتوقع أحداثاً مستقبلية كزرقاء اليمامة.

فمن يصدق أن اتحاد الكرة عام 1988 عيّن الحكم المونديالي جمال الشريف حكماً لمباراة الكسوة وداريا بدوري الدرجة الثالثة التي انتهت بفصول مسرحية من الشغب والاعتداء على الفريق المنافس رغم وجود رئيس اتحاد الكرة وقتها فاروق بوظو مراقباً، وكانت توابع ذلك حرمان نادي الكسوة من مزاولة النشاط الكروي مدة عام كامل؟
ومن يدر في خلده أن نقاط الفريق المثالي التي طُبقت زمن اتحاد مروان عرفات في منتصف التسعينيات كان أبطالها ثلة من قضاة اللعبة الذين لم يكونوا يعلمون شيئاً عن الحيادية والقضاء بالعدل؟

الجمهور الحقيقي

قرأت يوماً ما كتاب جنون الكرة للكاتب المكسيكي خوان بيرو وفي أحد أبحاثه عرّف المشجع الحقيقي لكرة القدم بقوله:
المشجع هو الشخص الذي ينتمي لأشياء بعينها، وقد لا يكون الملعب المكان الملائم لسكينة النفس وطمأنينة الروح ولكنه المكان المناسب لاستيعاب كل الاختلافات، فأنت كمشجع تذهب إلى الملعب لتشجع وإذا بك تُصدم من حكم صافرته غير عادلة بحق فريقك.

وقد تُفاجأ بخطأ ساذج مؤثر على نتيجة المباراة لحارس مرمى الفريق الذي تشجعه.

وقد تصيبك الخيبة من مهاجم فريقك الذي تحب بإهدار فرص لا يصح أن تضيع.

وقد تنتابك مشاعر الخيبة من مدافع فريقك المفضل بارتكاب هفوة قاتلة.

وقد تدير الكرة ظهرها للفريق الأفضل وتبتسم للطرف الآخر.

وقد لا تكون أرض الملعب صالحة أساساً للعب كرة القدم بفعل المطر والوحل، ولكنك كمشجع حقيقي لكرة القدم ولفريقك تذهب إلى الملعب لمشاهدة كل هذه الاختلافات دفعة واحدة وتؤمن بها.

فهل يوجد في ملاعبنا هذا المشجع الحقيقي الذي تنطبق عليه هذه الصفات؟

وهل يوجد المشجع الذي يقبل أن تنقله كرة القدم من نعيم الفوز إلى جحيم الخسارة بلحظة كما حدث لبايرن ميونيخ وجماهيره أمام اليونايتد في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 1999؟

ثقافة الفوز والخسارة

متى تسلح الجمهور بتقبل ثقافة الفوز والخسارة يهن عليه أي سيناريو للمباريات مهما كان قاسياً، وذات مرة صادف الإعلامي السوري أيمن جاده جماهير غفيرة لليفربول في طائرة متجهة إلى أثينا يوم 22 أيار عام 2007 لحضور نهائي الشامبيونزليغ بين ليفربول وميلان في اليوم التالي، ومن بين الجماهير عائلة كاملة (الأب والأم والأولاد) فسألهم:
هل حصلتم على تذاكر المباراة وهل وجدتم فنادق للمبيت؟ فكان الجواب للسؤالين لا..
فبادرهم بسؤال ثالث: ولماذا تتجهون إلى أثينا إذاً؟
فكان الجواب: ننتظر الفريق خارج الملعب فإن كان فائزاً نحتفل معه بالفوز، وإن كان خاسراً نواسيه..
فهل هناك أحد من جماهير أنديتنا يفكر بهذه الطريقة ويتحلى بثقافة الفوز والخسارة ويتمتع بصدر رحب لتقبل صافرات قضاة المباريات؟

ذكريات مماثلة

أعود للشق الثاني من البحث مذكراً بالحقيقة المؤلمة:
أنديتنا لا تتوافر فيها شروط المشاركة في مسابقة دوري أبطال آسيا التي كان نادي الكرامة عام 2006 قاب قوسين أو أدنى من التتويج بها، ولكن عدم المشاركة في مسابقة الظل التي تعتبر ترضية ضربة في الصميم، وخاصة أن تشرين والوحدة ممثلينا خلال عام 2021 أعدا العدة لهذه المسابقة من تعاقدات نوعية وتوقيع عقود رعاية، فتذكر شارعنا الرياضي لوعة ما حدث ضمن تصفيات مونديال 2014 عندما شارك اللاعب جورج مراد بمباراتي سورية وطاجيكستان بشكل غير قانوني فاستبعدنا من المشاركة وحُل اتحاد فاروق سرية، والمداد لم يجف حتى الآن حيال ما حصل مع منتخبنا خلال تصفيات مونديال 2010 بمواجهة الإمارات عندما وقفت بعثة المنتخب عاجزة عن فهم نظام التأهل إذا تعادل المنتخبان بعدد النقاط، هل هو فارق المواجهة المباشرة أم فارق الأهداف؟ فخلت البعثة يومها من جهبذ يعرف أن بطولات الفيفا مرجعيتها فارق الأهداف وليس فارق المواجهة المباشرة.

بيت القصيد أن العمل في اتحاد كرتنا أقرب للهواية منه للاحتراف، والمسألة ليست متعلقة بالأشخاص بقدر ما هي متعلقة بسقف الإمكانيات, وأياً كانت النتائج في قضية الوحدة وتشرين في اجتماع الاتحاد الآسيوي اليوم فإن عقوبة المسؤولين عن الخطأ واجبة وإن تمت الأمور بسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن