قضايا وآراء

بعد هزيمة الإدارات السابقة … عالم إدارة بايدين المعقد

| تحسين الحلبي

منذ عام 2001 واستلام جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة، ما زالت الإدارات الأميركية تنتقل من هزيمة لأخرى، وفي المحصلة النهائية شهدنا 19 عاماً من الحرب الأميركية على أفغانستان من دون أن تتمكن من أن تطلق على نفسها أقوى دولة في العالم من تحقيق ما هدفت إليه رغم استعانتها بدول أوروبية باسم الحلف الأطلسي.
بعد أفغانستان جاءت العراق عام 2003 ولم ينجح جورج بوش الابن في ضمان المحافظة على استمرار الوجود العسكري الأميركي بعد أن تحول معظم الجمهور العراقي وعدد متزايد من قواه الوطنية والقومية إلى مناهضة الهيمنة الأميركية ومقاومتها. وهكذا ورثت إدارة باراك أوباما هذه الأعباء ومضاعفات الهزيمة على أمل أن تنهي كل شيء لمصلحتها وإذا بها تلجأ إلى توسيع هاتين الحربين فتشن بقواتها الجوية والبحرية حرباً على ليبيا ثم تقوم باسم مكافحة الإرهاب المتطرف بشن الحرب على سورية وتهديد إيران بحروب متعددة وينتهي عهد أوباما عام 2016 بمزيد من الهزائم يتوجها إعلانه عن سحب قواته من العراق والاحتفاظ فقط بعدة آلاف بحجة حماية السفارة الأميركية وبعض المواقع الضرورية.
في عهد دونالد ترامب ازداد حجم التدخل العسكري الأميركي الهجومي في سورية من دون أي جدوى عسكرية أو سياسية تحقق أهدافه في سورية، وظهر على جدول عمله الموضوع النووي لكوريا الديمقراطية لينتهي بتراجع صارخ أمام 25 مليوناً من الكوريين وتراجع الولايات المتحدة عن تهديداتها. وأمام ما خلفه هذا المشهد لن يكون أمام الرئيس جو بايدين الذي سيخلف ترامب سوى عدد قليل من الخيارات الضيقة أولها: إما أن يعيد النظر بكل السياسات التي بدأها بوش الابن واستمر في السير على طريقها أوباما في ولايتين وترامب في ولاية من أربع سنوات، وهذا الخيار سيقوده إلى دوامة الفشل نفسها لأن الدول الثلاث الرئيسة التي سيضعها على جدول عمله وهي سورية والعراق وكوريا الديمقراطية يزداد تمسك أصحاب القرار فيها بسياسة التصدي والصمود في وجه أي عدوان أميركي عسكري مباشر، كما أن هذه الدول الثلاث ازداد دور وقوة حلفائها الإقليميين والدوليين وفي المقدمة روسيا والصين على الساحة العالمية وبدأا يشكلان قدرة متزايدة على فرض نظام عالمي جديد لمصلحة شعوب العالم واستقلالها وسيادتها على أراضيها.
ولذلك يتوقع عدد من المحللين السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا أن يلجأ بايدين إلى خيار تختلف فيه سياسته عن سياسات بوش وأوباما وترامب، وسيكون مجبراً على الانشغال لعدة سنوات في ترميم الخراب الاقتصادي والاجتماعي داخل الولايات المتحدة وفي حل الأزمات غير المسبوقة التي ولدها ترامب في علاقات الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية. ويرى البعض أن طبيعة الظروف الراهنة لا تسر المصالح الأميركية لأنها بدأت تولد واقعاً لم تعد فيه واشنطن قادرة على منع دول كبرى من منافستها على مصالحها ونفوذها في الساحة العالمية. وبعد تآكل قدرة الردع الأميركية أمام كوريا الديمقراطية وأمام سورية وإيران، وتولدت عوامل تتيح في أغلب الاحتمالات للدول الصغيرة والإقليمية الصديقة أو الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة ممارسة هامش مستقل عن سياسة التبعية العمياء للولايات المتحدة يبدو أن إدارة ترامب وقوى الحزب الجمهوري شعروا بهذه المضاعفات فسارعوا إلى اتخاذ إجراءات لم يتوقعها أحد قبل استلام بايدين للرئاسة على أمل أن تعرقل بعض سياساته أو تجعل من الصعب عليه وضع حلول أخرى يراها مناسبة لها من وجهة نظره. ولا ننسى أن بايدين سيجد أمامه اتحاداً أوروبياً لم تعد بريطانيا جزءاً منه بل منافس له. وسوف يتطلب ذلك منها الاستعانة بدور وقوة إطار دول الأنغلو ساكسون الأميركية البريطانية الكندية الأسترالية النيوزلاندية للمحافظة على المصالح المشتركة، فقد تتحول ساحة أوروبا الاتحادية إلى مشروع تتنافس فيه المصالح بين الجميع بنظر أميركا وبريطانيا وخاصة في الشرق الأوسط ودول الخليج التي ظلت خاضعة لبريطانيا والولايات المتحدة من دون أن تستطيع فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية التغلب على هذه المعادلة. ولذلك سيجد بايدين أن كل تقارب مع بريطانيا سيكون غالبا على حساب نفوذ الاتحاد الأوروبي ومصالحه، وسوف تجد دول أوروبا أنها جزء من عالم متعدد الأقطاب تتنافس أقطابه في عالم لا تستطيع أي قوة كبرى لوحدها فرض نظامه العالمي. وهذا ما يعد خسارة للقوى الكبرى الاستعمارية التقليدية الثلاث الأميركية والبريطانية والفرنسية أي الأوروبية بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد، وستظل ألمانيا واليابان تدفعان ضريبة هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن