قضايا وآراء

أوروبا وتركيا أردوغان.. لعبة القط والفأر

| بقلم الدكتور قحطان السيوفي

يشير المشهد الجيوسياسي إلى أن الاتحاد الأوروبي يبدو متردداً وغير قوي إزاء التعامل مع تركيا أردوغان الذي يتظاهر أنه غير قلق من تهديدات أو عقوبات الاتحاد.
قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي: «أعتقد أن لعبة القط والفأر يجب أن تنتهي»، في إشارة إلى دخول سفن تركية للتنقيب عن الغاز بشكل متكرر إلى مياه يونانية.
يرجع تاريخ مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى عام 1959 وتم توثيق ذلك في اتفاقية أنقرة عام 1963 والتي أقرت العضوية التدريجية لتركيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي، وقدمت تركيا طلباً في عام 1987 للانضمام إلى ما كان يسمى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي وقد تم تصنيفها من الاتحاد الأوروبي في 1997 على أنها مؤهلة للانضمام إليه، لكن لم تبدأ المفاوضات حول ذلك فعلياً حتى عام 2005.
وتعثرت مساعي انضمام تركيا للاتحاد لأسباب عديدة منها:
خلافات مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية اللاجئين إذ تنص الاتفاقية وفقاً لـ«DW» في 2 كانون الثاني 2020 على أن تعمل تركيا على تفادي أن يقوم لاجئون بمساعدة مهربين انطلاقاً من أراضيها بالتوجه إلى الجزر اليونانية.
وقد هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2019 بفتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين الساعين للوصول إلى أوروبا، في حال عدم حصول بلاده على مزيد من الدعم الدولي، لاسيما الاتحاد الأوروبي.
بالعودة للقمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل ومقرراتها انتهى اجتماع القادة وقرروا فرض عقوبات على تركيا، على خلفية تصرفاتها «غير القانونية والعدوانية» في البحر المتوسط ضد أثينا ونيقوسيا، وهي عقوبات محدودة على أتراك ستدرج أسماؤهم على اللائحة السوداء.
وهي تضم مسؤولين في شركة البترول التركية «تركش بيتروليوم كوربوريشن» ممنوعين من الحصول على تأشيرات وجمدت أصولهم في الاتحاد الأوروبي، في مقابل ترحيل المناقشات في شأن إجراءات أشد حتى آذار 2021، بعد الأخذ برأي الإدارة الأميركية المقبلة، كما صرحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل.
عملياً تحول التحذير الأوروبي إلى مجرد عمل روتيني أجوف، إذ إن قمة الأول من تشرين الأول الماضي حذرت تركيا من أنه إذا استمرت في نشاطاتها الأحادية الجانب في شرق المتوسط وفي انتهاك القانون الدولي، فإن قمة العاشر من كانون الأول سوف تفرض عقوبات عليها.
المستشارة الألمانية ميركل حرصت على إبقاء باب الحوار مع أنقرة مفتوحاً، لذلك، برزت، عشية انعقاد القمة، تصريحات لمسؤولين أوروبيين تجمع بين تحذير تركيا وبين الحديث عن أهمية استمرار العلاقات الجيدة معها. لكن ذلك يثير غضب اليونان وقبرص اليونانية، اللتين تتهمان الاتحاد، ضمنياً، بالتخاذل.
رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، قال إنه يجب إبقاء نافذة الفرص مفتوحة أمام الإجراءات الأوروبية تزامناً مع حزمة عقوبات أميركية تستهدف أنقرة بموجب قانون «مواجهة أعداء أميركا عبر العقوبات – كاتسا»، على خلفية شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي «إس400».
ظاهرياً استطاعت تركيا أن توظف عضويتها في «حلف شمال الأطلسي» لتخفيف الضغوط عنها. إذ وجه الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، رسالة إلى بروكسل بأن الضغوط على أنقرة لن تكون في مصلحة الحلف، كذلك يلعب العامل الاقتصادي دوراً كبيراً في حماية تركيا من عقوبات جدية. ألمانيا، من أكثر الدول معارضة للعقوبات، لعاملين أحدهما اقتصادي، والآخر هو الخوف من إعادة تركيا لسياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين للتدفق نحو أوروبا وألمانيا خصوصاً.
بالمقابل سفن أردوغان تواصل التنقيب عن الغاز في مناطق شرق المتوسط، غير آبهة بعقوبات الاتحاد الأوروبي.
العقوبات ستؤثر سلباً على الاقتصاد التركي المنهك أساساً، وستضعف توازياً الليرة التركية، بعدما سجلت خسائر جديدة في الأيام الأخيرة.
اعتبرت المفوضية الأوروبية أن آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تتلاشى، فترشح تركيا للانضمام إلى أوروبا مجمد بسبب «المزيد من التراجع الخطير» في مجالات حقوق الإنسان واستقلال القضاء.
والمفاوضات وصلت فعلياً إلى طريق مسدود، مع دفع ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا في اتجاه منح «الدبلوماسية» مزيداً من الوقت. طالب الزعماء كلاً من المفوضية الأوروبية ووزير خارجية الاتحاد، برفع تقرير إلى القمة الأوروبية المقررة في آذار المقبل، لبحث العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والخيارات المتاحة حول كيفية المضي قدماً، بما في ذلك توسيع نطاق العقوبات.
فتعليقاً وكعادة أردوغان يستعمل أسلوب الابتزاز والتهديد مع الأوروبيين، خاصة فيما يتعلق بمسألة الهجرة والإرهاب كورقة ضغط لمساندته في تحقيق أطماعه العثمانية كما حدث حين العملية العسكرية في شمال سورية وفي الأزمة الليبية.
لاشك أن إقدام أردوغان الدكتاتور المهووس بالأطماع العدوانية العثمانية التوسعية على ممارسات استفزازية على الصعيد الداخلي في تركيا والخارجي بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي من شأنه إعلاء الحواجز أمام دخول تركيا إلى الاتحاد.
لأنهم يشعرون أن تركيا كبيرة فوق الحد، وفقيرة جداً فوق الحد، كما أن عمليات التطهير الواسعة التي قام بها أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، حيث كرس أردوغان حكم الرجل الواحد، ما قوض استقلال القضاء، وهذا جعل تركيا غير مؤهلة لعضوية الاتحاد الأوروبي.
اعتبرت تركيا القرار الأميركي فرض عقوبات عليها لشرائها منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية «إس 400»، «خطأ جسيماً»، ودعت الولايات المتحدة إلى إعادة النظر فيه لأن من شأنه أن يقوض الثقة بين الحلفاء على اعتبار أنه لاشك أن العقوبات الأوروبية والأميركية ستؤثر سلباً على الاقتصاد التركي.
رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال كان قد أعلن أن دول الاتحاد الأوروبي مستعدة لفرض عقوبات على تركيا بسبب استمرار أفعالها الأحادية وخطابها المعادي، وأضاف: «قمنا بمد يدنا إلى تركيا، وتقييمنا سلبي مع استمرار الأفعال الأحادية والخطاب المعادي».
أوروبا ظهرت في صورة المنقسم والعاجز أو الخائف من استعداء تركيا، التي كانت إلى الأمس القريب مثل الولد الذليل الواقف على أبواب الاتحاد، وقد تعبت يداه من الطرق، فيما لم يسمع سوى صوت الرافض لفتح الباب.
لقد اقتنع الأوروبيون أن إشارات التهدئة التي بدأت تركيا في إطلاقها مؤخراً لا تعدو إلا أن تكون ظرفية ولم تعد تجد آذاناً صاغية لدى كل القادة الأوروبيين الذين يؤكدون ضرورة الحزم مع تركيا أردوغان التي أثبتت أنها «شريك غير موثوق فيه». وكما قال رئيس المفوضية الأوروبي: حان الوقت لإنهاء لعبة القط والفأر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن