بعد فوزه بجائزة الدولة منير خلف لـ«الوطن»: لابد من حضور الأدب الكفيل برفع منسوب العاطفة والعقل
| سوسن صيداوي
بناء على أحكام المرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2012 القاضي بإحداث جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية، في مجالات الآداب والفنون للمبدعين والمفكرين والفنانين، وتقديراً للعطاء الإبداعي والفكري والفني، منحت وزارة الثقافة جائزة الدولة التشجيعية للعام 2020 للسادة:الشاعر منير محمد خلف في مجال الأدب، المايسترو ميساك نوبار باغبودريان في مجال الفنون، الدكتور عادل محمد داود في مجال النقد والدراسات والترجمة.
هذا ويمنح كل فائز من الفائزين الثلاثة المحددة أسماؤهم مبلغاً وقدره خمسمئة ألف ليرة سورية وميدالية تذكارية مع براءتها، وسيتم الاحتفال بالفائزين وتسليمهم الجوائز في موعد يحدد لاحقاً.
اليوم وفي حوار «الوطـن» مع الشاعر منير محمد خلف حدّثنا كم يعنيه الفوز بالجائزة التشجيعية- رغم حصوله على جوائز وتكريمات عديدة محلية وعربية- وعلى الخصوص أن تكريمه كشاعر تمّ ببلده وهذا أمر يضفي للنفس الكثير من البهجة والرضا، هذا والجائزة بتواضعها ضرورة لرفد الحالة الثقافية السورية بكل تجدد ضروري لعمار البلد. كما أثار شاعرنا أموراً أخرى نتوقف معها تباعاً.
المبادرة من الثقة
تم تقديم العديد من طلبات الترّشح المتنوعة لوزارة الثقافة، والأخيرة قامت بمفاضلتها بطريقة مدروسة، كي تأتي النتائج شاملة لكل رفد إبداعي ثقافي في سورية. ولكن عن الرغبة في الترّشح للجائزة أخبرنا الشاعر منير محمد خلف «تقدمت إلى جائزة الدولة التشجيعية لثقتي العميقة أن صوتي الذي أخلص له منذ أكثر من عشرين عاماً سيعلن أن نهر الإبداع لا يزال ينشر الخضرة والجمال على ضفتيه.. وأن سكان الأرض لا يعيشون بالماء والخبز فحسب وإنما بالأدب أيضاً. كذلك كنت على يقين أن وزارة الثقافة في بلدنا ستكون خير من يهتم بصوت المبدع والحفاظ على حضوره السوري في كل خلية من خلايا هذا الجسد الذي أنهكته الحرب وسنوات قاتمة السواد».
في القيمة رضا كبير
رغم حصول شاعرنا على العديد من الجوائز والتكريمات، إلا أن لطعم الجائزة التشجيعية مذاقاً آخر «شاركت في مسابقات شعرية عديدة في سورية وخارجها وقطف شعري أكثر من ثلاثين جائزة شعرية، وقد تم تكريمي شعرياً في عدة دول عربية، لكنّ جائزة الدولة لها مذاق من نوع آخر، لكونها نوعاً من التتويج لمجمل مسيرة المبدع.. وأنْ يُكرّم الشاعرُ في بلده لأمر يدعو إلى بعض الرضا، عن عمله المضني مع الكلمة ورسالتها السامية التي لا تتوقف عند سقف معين أو حاجة آنية».
بعيداً عن المادة
الوضع المادي وحال المعيشة في سورية أمر لا يمكن تغييبه بتاتاً، وهل يمكننا الحديث عن الجائزة التشجيعية من دون الوقوف عند قيمتها المادية المتواضعة، هنا أثار الشاعر منير محمد خلف نقاطاً مهمة، وهي تعكس النظرة الحقيقية للواقع المُر الذي يمرّ على بلدنا الحبيب سورية، «صحيح أن الجائزة تشجيعية، لكنها لم تتأتَ من شخص يحاول تشجيع مبدع حديث أو جديد، إنها جائزة دولة بغض النظر عن ضآلة قيمتها المادية، ماذا نفعل أمام الحرب التي لم تترك أخضر في قلوبنا ولا أصفر في حقولنا، ماذا نفعل أمام صراخ الملايين الذين يبحثون عن طعم الغمام ومحاولة تسديد فواتير الحياة اليومية القاسية، ماذا نقول أمام انهيار قيم أخلاقية كانت يوماً ما يستظل بنعيمها كثير من الخلق، أعرف تماماً وتعرفين صديقتي أن خمسمئة ألف ليرة سورية حين ولادة الجائزة كانت تساوي عشرة آلاف دولار أي ما يعادل ثمانية وعشرين مليون ليرة سورية في حساب بوصلة أزمتنا السورية الخانقة، والآن لا تتجاوز قيمتها المادية مئة وستين دولاراً، بون شاسع صديقتي بين عشرة آلاف دولار وبين مئة وأقل من سبعين دولاراً. هذا وأضيف هنا بأن قيمة الجائزة المادية كانت قبل سنوات تضمن ثمن شراء بيت في إحدى ضواحي دمشق، لكن ماذا بوسع طيور الشاعر أن تفعل سوى أن تغنّي متفائلة بأيام مشرقة ستأتي؟ ماذا بوسعها سوى أن تحلّق عالياً وتفتح للتفاؤل فضاءات جديدة، سوى أن تدوّن سموّ أرواحنا في طيرانها الأخضر؟
وأختم هنا بأن الجائزة تعني أن مصباح الإبداع لن تنطفئ أزاهيره ولن تذبل شموعه الحِسان، وأن جمهوره بخير، وأن الكلمة ستبقى ذات ألق وجمال، وستبقى حاجة روحية يتّكئ عليها كل ذي معرفة، كل ذي دراية بحجم حاء الحياة وتاء تأنيثها الفاعلة».
كما أشار شاعرنا إلى أن مبلغ الجائزة سيذهب إلى ابنتيّه (أفين ونور)، اللتين تدرسان في الجامعة بدمشق، إحداهما في الطب البشري والأخرى في الصيدلة.
دفع عجلة الثقافة
لكل منّا رسالته الخاصة بحياته، والتي يسعى بكل دأب وجهد أن يحققها، وفي الجانب الإبداعي الثقافي الموضوع يشكل عبئاً، والتطوير المتماشي مع ما يدور حولنا مطلب ولكن شرط المحافظة على الهوية السورية بكل أطيافها، وحول رسالة الشاعر منير محمد خلف ختم حوارنا «لا ريب أن الحرب التي عشناها ومازلنا نعيشها ندفع ضريبتها، لا ريب أنها سترخي بأمواجها الثقيلة على كل جوانب الحياة، ستُطعم الجميع مراراتها، وتذيق قلوبنا انكسارات أحلامنا.
ولكن رغم كل المرارات لابد من حضور الأدب، لأنه حاجة كفيلة برفع منسوب العاطفة والعقل معاً، ومثلما يحتاج الإنسان إلى أسباب استمرار الجسد، فإنه أحوج ما يكون للبحث عن أسباب حضوره الروحي، وثقافته القلبية، لأنها سرّ بقائه المعنوي، والذي لا معنى له».
في السيرة الذاتية
الشاعر خلف من مواليد الحسكة عام 1970، هو عضو في اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، يعمل مدرساً للغة العربية، حاصل على الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة تشرين.
صدرت له عدة مجموعات شعرية منها نذكر: «غبار على نوافذ الروح»، «سقوط آخر الأنهار»، «لمن تأخذون البلاد»، «أُمسك الأرض وأجري»، « أبحث عن تسعة أيام في الأسبوع».
حصل على العديد من الجوائز الشعرية في سورية وخارجها، كما نشر قصائده في الدوريات العربية والمحلية كمجلة: العربي والكويت والرافد والدوحة ودبي الثقافية وشؤون الأدب والموقف الأدبي، وغيرها.
ترجمت بعض قصائده إلى اللغة الصينية وله محاولات في ترجمة الشعر الكردي إلى العربية.