ذات يوم استدار سليمان العيسى عن الكبار ونزل إلى الأطفال بتواضع المثقف الأصيل واحترامه، وراح يكتب لهم الأشعار ويغني معهم ويترجم لهم مع د. ملكة أبيض أجمل القصص الإنسانية. هل فَقَدَ سليمان العيسى وقتذاك الثقة بالكبار من معلمين ومربين حيث يوجدون في كل مكان مؤهل للتعليم والتربية؟ هل استدار عنهم ضجراً أو مشمئزاً أو محبطاً وهو يرى أشرعتهم أو شعاراتهم الغامضة؟
ماذا رأى سليمان العيسى حتى وضع ثقته في هؤلاء الأحبة الصغار وهو الذي قضى حياته ينشد للوطن والعروبة؟ هل رأى تكاسلاً وتقصيراً وإهمالاً عند المعلمين؟ هل ظن أنه يستطيع أن ينهض مع قلّة من أمثاله بمشروع شاق رغم متعة لا يعرفها إلا الشغوف بالتربية والمؤمن الصادق بأهمية هذا الاستثمار وإنْ تأخر ربحه الأكيد؟ أتذكر سليمان العيسى فأسأل من يعلّم اليوم ويربي؟ وقد تكاثرت وسائل التعليم بعد البيت والمدرسة والجامع والجامعة والتكنولوجيا وكان ثمة وسائل تدعم المدرسة وغيرها من كتب ومجلات طفلية وأغانٍ وأفلام فالشام ولاّدة المبدعين في كل مجال. وكانت هذه الوسائل قديمها وجديدها حاضرة حين انقلبت الحياة على وجهها في الشام، ألم تكن صدمة لنا جميعاً ونحن نرى فرقة أطفال تتدرب على السلاح وبعضها أتقن إطلاق قذيفة وآخر تلذّذ بالذبح كما علّمه أستاذه اللعين.. ولن ننسى زواج الصغيرات ونكاح الجهاد.
لماذا تغلّب هذا الأستاذ اللعين على سليمان العيسى وآخرين في ظلّ ياسمينة الشام التي علّمت أبناءها منذ زمن بعيد حب اللـه والناس والوطن في ظل نظام علماني لا يجادل فيه أحد رغم الأخطاء والخطايا، هل تغلّب البيت المظلم على أنوار الشام، لماذا سمح المعلمون على اختلافهم لهؤلاء المرتزقة بأن ينبشوا قبور الماضي فَعَلَتْ روائحها الكريهة، وما كان النزاع في الماضي إلا سياسياً كما هي الحال دائماً، وكانت الشام قد بنت فوقها المدارس والجامعات والمشافي والمراكز الثقافية.
وكنا نرى جوامع وكنائس كثيرة ما رأينا أعدادها في بلدان مجاورة أو أبعد بقليل تفاخر بأنها خادمة للدين ونصيرة للمظلومين، أنه النفاق السيّد وقد استعاروا بعضه من الغرب.
حين ننظر إلى أطفال اللاجئين أو المهجرين يصيبنا هلع عظيم حول مستقبل ضائع.
لهؤلاء الأحبة مصير قاتم وإن وصلوا إلى بلاد الغربة بعد السير طويلاً في وحول الاستغلال البشع المتنوع، هنالك تنتظرهم خطط مرسومة بعقل بارد تفيد منه الدول التي قلَّت خصوبتها، وهنالك سينتظر الأطفالَ فراق قاس وظالم عن أهليهم وإن كانوا سيعيشون بينهم، ستنتظرهم لوعة الفراق عن الوطن وهويته وربما دينه.
الآن، أعتذر ممن اهتم بالصغار والفتيان وحدهم، وكان عليهم أن يهتموا بالأهل اهتماماً شديداً بتنويرهم وإيقاظ وعيهم، لأن الأبناء في بيوتهم يرون أوائل القادة والقدوات، يتمثلون أفكارهم وقد جاء بها بعضهم من دول أخرى.
لماذا سكت أو تردد أو خاف أو تواطأ بعض المعلمين والمربين في الشام أمام هذه الظواهر الشاذة التي ما عرفتها الشام المؤمنة القريبة كثيراً من سماحة اللـه ورحمته، وقد كنا نسمع فيها من يقول بأن الإنسان يستطيع أن يعيش حياة متوازنة من دون أن يتجاهل الأديان المختلفة والأفكار المتعددة، وأن أحترم الآخر وأحب له ما أحب لنفسي، أليس هذا ما توصي به الأديان السماوية والقوانين الوضعية؟ ولن يكون بحاجة إلى أحزاب خضراء وحمراء وصفراء و..، ليعاود العيش الإنساني المشترك الذي تمزّق ولا يقدر على ذلك سوى الأنقياء من المعلمين والمربين، هم القدوة الصالحة والقادة الشجعان لهذه المهمة الشاقة الممتعة التي ينبغي لهم أن يرفعوا شراعها فوق مركب الشام لأن حرب العقول المظلمة يعادل حرب الجغرافيا.