إن ما يجمع الثقافة العربية والثقافة الروسية أكبر مما يجمع بين أي ثقافتين. فهما ثقافتان شرقيتان وعريقتان في القدم ومتقاربتان في الآلية والنتيجة.
ففي الوقت الذي تنظر الثقافة الغربية إلى الثقافة العربية من منظور غيبي أسطوري. كانت الثقافة الروسية تشارك العربية في كثير من التفاصيل.
ولو نظرنا في المراحل التاريخية سنجد أن الثقافة الروسية اعتنت مبكراً بكتاب العربية الأول «القرآن الكريم» والأمر لا يقتصر على الترجمة بل على التأثر والصياغة والمحاكاة والفكر.
ففي عام ١٧١٦م ترجم القرآن أول مرة إلى الروسية وكان للترجمة الأثر الكبير. هذه الترجمة كانت اهتماماً رسمياً بطلب من القيصر بطرس الأكبر. وتركت الترجمة أثرها في شاعر روسيا العظيم بوشكين الذي نظم قصائد بعنوان من وحي القرآن. وهذه الأشعار تركت أثراً واسعاً في الأدب الروسي شعره ونثره.
وقد تمت ترجمة القرآن من كبار المستشرقين الروس مثل سابلوكوف ١٨٧٨م وكراتشكوفسكي ١٩٦٣م وكراتشكوفسكي واحد من أهم دارسي العربية على مستوى العالم وليس في روسيا وحدها.
ولم يقتصر أثره في هذه الترجمة بل وضع أسس دراسة الأدب العربي وتحقيقه وهو الذي نشر كتاب البديع لابن المعتز.
وهذه العناية الإيجابية من زمن بطرس الأكبر أسست للمدرسة الاستشراقية الروسية. وأسست للعناية بالعربية. وقد تميز الاستشراق الروسي بالحب على عكس الاستشراق الغربي الاستعماري.
وهذا ما يجعلنا نجد أكثر الدبلوماسيين الروس والمحللين يتقنون العربية السليمة.
لقد كان للرباط المشرقي بما في ذلك الارتباط في الكنيسة الشرقية الأثر الأكبر في تقارب الثقافتين وسنقف عند علامات من هذه الثقافة في قراءة أمهات الكتب.
فلا عجب أن نرى دار التقدم وغيرها من المؤسسات الثقافية الروسية تعمل بنفسها وبتعهدها على نقل الثقافة العربية إلى الروسية والثقافة الروسية إلى العربية.
ويستمر لقاء الثقافتين والحضارتين.