ثقافة وفن

الشرق روحي

| د. نبيل طعمة

كبيرٌ جداً منقسم التطلعات، حدث هذا مذ ذاك الموغل في القدم؛ أي قبل آلاف السنين، وحصراً بدأت من الهند منبع الأساطير والديانات والثقافات، لنعلم لاحقاً عن توجه الإلهين «الراما» و«البراهما»، فذهب الأول «الراما» باتجاه الصين وأقصى الشرق، ومنه ولد «كونفوشيوس وبوذا»، هذا الذي انساب من التيبت والهيملايا، والإله الثاني «البراهما» اتجه غرباً، ليظهر منه «أبرام أبراهام إبراهيم»، الذي أنجب إسماعيل وإسحاق، إسماعيل أتى بالنبي محمد، وإسحاق أتى بيعقوب «ياكوف»، الذي انساب منه باقي الأنبياء والرسل، ويظهر إله في القدس «يسوع» يتجه من دمشق عبر رسوله بولص غرباً، ويعود موسى النبي من مصر شرقاً والنبي محمد من الجنوب يتجه إلى عاصمة الشرق دمشق.
إذاً، هذا الشرق الذي أطلق عليه السيد الرئيس بشار الأسد الشرق الكبير والشرق العقائدي، حمل ما حمل من الآلهة والنبوات والرسالات التي تشعبت هنا في هذا الشرق إلى عشرات العقائد والديانات والطوائف والمذاهب، هذا الشرق امتلأ بالتضاد العقائدي، فعاش ومازال يعيش صراعات هائلة أساسها الصراع الروحي، والجدل مستمر حول أحقية هذا أو ذاك في وجوده وسيطرته على هذا الشرف.
آلاف الأنبياء والرسل ولدوا وظهروا وتجولوا في هذا الشرق باستثناء بولص الرسول، الذي وصل روما من دمشق وقُتل فيها، طبعاً سواد الأنبياء قتلوا أو حرقوا أو عُذّبوا في هذا الشرق، كانت غايتهم إصلاح الذات البشرية، فأبرام الذي وحّد الآلهة في إله واحد، وحطّم أصنامها في أور سومر، وذهب فبنى الكعبة في مكة التي هدم فيها محمد النبي أيضاً الأصنام، وبينهم السيد المسيح أيضاً الذي تحدث بأني سأهدم الهيكل المادي بثلاثة أيام، وسأعيد بناءه بالروح بثلاثة أيام. من كل هذا نرى أن الآلهة والنبوات أجمعت على هدم فساد الإنسان وإعادة بناء إنسانيته وخلقِ حضورٍ يبني في هذه الحياة، ويغني حضوره فيها.
السؤال الكبير: لماذا بقي هذا الشرق متعلقاً بتفاسير العقائد، لا روحية نبواتها ورسلها التي أُلهمت من الكلي السرمدي؟ جميع النبوات كان هدفها هدم الشر، ولكن ما الذي حصل بعد أبرام إبراهيم الخليل؟ وما الذي حصل مع موسى حين غافله أخوه هارون فقال له: «يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي»؟ وما الذي حصل بعد السيد المسيح وحواريه؟ وما الذي حصل بعد محمد وخلفائه الراشدين؟ وماذا تعني دعوة السيد الرئيس لامتلاك العلم، وأنه من الضرورة بمكان استيعاب العلم والعمل به، لأنه يؤدي إلى الإيمان الحقيقي بالواجد والموجود؟ واستمعنا مباشرة بعد ذلك الحديث الأكثر من مهم، الموجه للأئمة في جامع العثمان وتحت رعاية وزارة الأوقاف عن مماحكات ونقاشات حادة حول تفسير ما أراده سيد الوطن لهذا الشعب وللأمة في هذا الشرق الكبير، وجميع العقائد والأيديولوجيات تنافرت في وقت عصيب، أراد له صاحب الكلمة أن تكون جامعة لا مفرقة، وملتئمة لا متنافرة، لا ضير في أن يكون هناك حوار، حوار خلاق يأخذ بالجميع إلى الوحدة، لأن سيد الوطن أراد فعلاً هدم المادي الذي يريد الغرب السيطرة به على هذا الشرق الكبير، من خلال التلاعب بمعتقداته وفرط عقد جوهره غيض من فيض، أبدأ به في عصر يدعو الجميع إلى نواصي العلم الذي يحدث التنوير، والصلوات والتسليم على جميع الأنبياء، هل سيهدم السيد الرئيس الهيكل المادي الجشع ويعيد بناءه إنسانياً؟ أعتقد نعم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن