ثقافة وفن

رحيل أستاذ العربية العالم المحقق الدكتور غازي طليمات

| الوطن

نعت الأوساط الأكاديمية والأدبية في حمص يوم الأحد الماضي الأستاذ الدكتور غازي طليمات عن عمر ناهز خمسة وثمانين عاماً، أمضى ستين سنة منها في عوالم التدريس والبحث والإبداع، فكان فارساً من فرسان العربية وواحداً من حراسها الأمينين، محبته لها لا توصف، وغيرته عليها لا تدرك، متسلحاً بتأصيل علمي مكين على يد كبار الأساتذة، وثقافة فكرية وأدبية رفيعة، وشاعرية أصيلة مطبوعة، وبديهة حاضرة، ودعابة لا تخذله إن أراد توظيفها في سياق ما.

ولد الدكتور غازي طليمات في حمص سنة 1935، والتحق بعد الثانوية بجامعة دمشق ليتخرج فيها، فنال درجة الإجازة في اللغة العربية 1956، ودبلوم الدراسات العليا 1975، والماجستير 1980، والدكتوراه 1987.
عمل مدرساً في ثانويات حمص، ثم في دار المعلمين، ثم أعير إلى الكويت، ليعود بعدها إلى حمص مدرساً في دار المعلمات. وعند افتتاح جامعة البعث مطلع الثمانينيات من القرن الماضي انضم المرحوم الدكتور غازي مع صديق عمره المرحوم الدكتور عبد الإله نبهان إلى الدكتور أحمد دهمان ليساهموا في تأسيس كلية الآداب، حيث بقي بها حتى عام 1989، وانتقل بعدها إلى دبي للعمل في كلية الدراسات الإسلامية والعربية.
كان الراحل الدكتور غازي طليمات نهماً في طلب العلم دؤوباً في العمل حتى وفاته، فكأنما هو «راهب متبتل» في محاريب العلم ومنابر التدريس، وكان ضليعاً متمكناً في النحو وعلوم اللغة عامة، فتصدى في رسالة الماجستير لتحقيق الجزء الثاني من كتاب الأشباه والنظائر (مطبوع) بإشراف المرحوم الدكتور شاكر الفحام إلى جانب عبد الإله نبهان وإبراهيم العبدالله وأحمد مختار الشريف الذين حققوا الأجزاء الثلاثة الباقية. أما رسالته في الدكتوراه فكانت بعنوان «أحمد بن فارس، حياته وآثاره وآراؤه اللغوية والنحوية» (مطبوع)، وكانت تحت إشراف الدكتور مازن المبارك.
امتاز طليمات بالبيان والفصاحة تحدثاً وكتابة، ويظهر هذا جلياً في الكتب التي أصدرها، ولاسيما في كتابه «مقامات ناصحة»، وفي تلخيصه لكتاب قصة الحضارة الذي صدر في 15 جزءاً عن دار طلاس، وفي سلسلة تاريخ الأدب التي أصدرها بالاشتراك مع الأستاذ عرفان الأشقر، والتي تولى هو كتابتها وتحريرها، وله عدة كتب أخرى، منها: «على محك النقد» (جزءان)، و«مع رفيق الفاخوري في أسفاره وأخباره وأشعاره»، و«لغتنا الشاعرة»، و«نظرات في علم دلالة الألفاظ عند ابن فارس»، و«عروض الشعر العربي من المعلقات إلى شعر التفعيلة». وله في التحقيق: «اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري ج1»، و«نكتة الإعراب لابن هشام دار طلاس دمشق 1995»، كما شارك في تحقيق ثلاثة دواوين هي: «ديوان أبي دهبل الجمحي»، و«ديوان عروة بن الورد»، و«ديوان مزاحم العقيلي».
وهو شاعر كلاسيكي مطبوع، وله عدة دواوين شعرية، منها: «من جنين إلى غزة»، و«طواف لا ينتهي»، و«أبيات ترجو المغفرة». وله أيضاً مجموعة من المسرحيات الشعرية، منها «عز الدين بن عبدالسلام سلطان العلماء»، و«محكمة الأبرياء»، و«عين جالوت»، و«المحنة» و«سقوط غرناطة».

من شعره:

أصدقائي الصغار ما أنا إلا
أنتم ذاب في الأصيل الصباح
وصبايَ النفورُ فرّ إليكم
فامرحوا فيه إنه نزّاح
وخريفي ربيعكم عاد زهراً
وهشيمي ريحانكم والأقاح
كلّ لهوٍ بعد الطفولة لغوٌ
كلّ شدوٍ بعد الشباب نُواح
فارفلوا واهزؤوا بكلّ وقور
ما وقار الكهول إلا كُساح

 

ومما قالته ابنته الأستاذة سلام في وداعه: «نعم- لقد رحل والدنا الحبيب، آخذاً معه خلقه النفيس، واستقامته وعطاياه وما نثره من لآلئ علمية وأدبية.. رحل والدي ولم يتوان أثناء ضعف بصره الشديد قبيل مرض ذاك عن إجابة علمية لسائل أو رسالة خطية لقريب أو عزيز».
والفقيد الراحل عضو في اتحاد الكتاب العرب. وله حوار مطول وشهير منشور مع الشاعر الكبير عمر أبو ريشة خلال زيارته حمص سنة 1977، حيث أقيمت له فيها أمسية شعرية في المركز الثقافي، وكان للدكتور غازي كلمة ترحيبية نالت استحسان الشاعر والجمهور يومها.
خلّف رحيله حزناً عميقاً في نفوس أصدقائه وطلبته ومحبيه، ونعاه كثيرون على صفحات التواصل الاجتماعي مشيدين بأخلاقه وعلمه ومناقبيته، وكتب الدكتور فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات العربية في القاهرة على صفحته في «فيسبوك»: «رحل غازي طليمات، ابن مدينتي حمص. لا أدري أنعي به العلم وانضباطه أم الأدب وتحليقه أم الأخلاق وسموها!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن