يمكن التأكيد أنه إلى جانب التحديات الداخلية الجمة التي تنتظر إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، هناك ملفات حساسة وتحديات لا تقل خطورة على صعيد السياسة الخارجية في مقدمتها: العلاقة مع روسيا وطبيعة التنافس الدولي والسعي للحفاظ على مكانة وهيبة أميركا والصراع مع الصين والموقف من الملف النووي الإيراني وموقف أميركا من تحالفاتها وعلاقاتها الجيوسياسية والتي تعرضت لانتكاسات حقيقية في عهد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، فضلاً عن عضويتها من المنظمات والاتفاقات التي انسحب منها الأخير ولاسيما اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية.
يعتبر الموقف من الملف النووي الإيراني وكيفية التعامل والعلاقة مع إيران، من أبرز الملفات التي تنتظر الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، في ظل وجود قيود وضعتها ومازالت تضعها إدارة ترامب، والتحدي الذي سيكون بايدن أمامه والمتمثل في المقاربة التالية:
«إجماع شبه مطلق من معظم النخب السياسية الأميركية بما في ذلك أعضاء الكونغرس، لمنع إيران من تطوير قدراتها مع اختلاف الطرق ووسائل مواجهتها، في مقابل تأثير الرئيس الأميركي السابق بارك أوباما على الرئيس المنتخب واعتبار اتفاق 5+1 هو أحد إنجازات أوباما التي كان بايدن جزءاً منها عندما كان يتولى منصب نائب الرئيس ولابد من العودة إليه»، وهذه المقاربة قد تشكل نقطة خلاف ليس بين الجمهوريين والديمقراطيين فقط بل داخل الصف الديمقراطي أيضاً.
وبالتالي يمكن وضع تقدير موقف حول توجهات جو بايدن من الملف الإيراني وفق السيناريوهات التالية:
• السيناريو الأول: هو أن يقدم الرئيس المنتخب الجديد على العودة للاتفاق النووي مع إيران وفق الصيغة السابقة.
وهذا السيناريو يمكن البناء عليه من خلال المؤشرات التالية:
١- تصريح الرئيس المنتخب بأنه سيعود للاتفاق النووي.
٢- تأثير الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على بايدن، بل يمكن وصف مرحلة بايدن بأنها ولاية أوباما الثالثة وهو الرئيس الذي توصل للاتفاق مع الإيرانيين ويريد الحفاظ عليه.
٣- حاجة الرئيس الجديد لإنجاز خارجي يمكن أن يحسن من مكانته في الداخل الأميركي ويخفف من وتيرة الصراعات الخارجية.
• السيناريو الثاني: هو أن يتمسك بايدن بالشروط التي وضعها الرئيس الحالي دونالد ترامب، وخاصة التمسك بمطلب إدخال بند معالجة الصواريخ البالستية.
ويمكن أن يستند هذا السيناريو على عدة مقومات:
١- عندما تم توقيع اتفاق 5+1 في صيغته السابقة عام 2015، كان ضمن مشروع أميركي يعتمد على تحويل موقف إيران وإعادتها لزمن الشاه، واليوم الهدف الأميركي هو الإبقاء والحفاظ على النفوذ الأميركي في المنطقة بأمان.
٢- لا يريد بايدن الدخول في مشاحنات سياسية مبكرة مع الجمهوريين الذين قد يعتبروا ذهابه للاتفاق في صيغته السابقة تنازلاً لإيران وصفعة لترامب وللجمهوريين، وسيستغلون ذلك للضغط عليه في الكونغرس وربما في الشارع.
٣- قد يراهن بايدن على عامل الوقت في محاولة لأن تأتي العقوبات والحصار بنتائج.
٤- توحد الصف الخليجي الإسرائيلي واحتمالية ممارسة ضغوط من قبلهم على إدارة بايدن لعدم العودة إلى الاتفاق النووي.
* السيناريو الثالث والذي يرجحه البعض يكمن في منتصف الطريق، بمعنى آخر لن يكون هناك عودة للاتفاق بالصيغة السابقة ولكن في الوقت ذاته لن تكون هناك صلابة من بايدن كما هو حال ترامب، أي التوصل لاتفاق يستند على الاتفاق السابق مع احتمال إدخال تعديلات ثانوية أو شكلية.
ويُستند في ذلك على عدد من العوامل التي ترجح مثل هذا الخيار:
١- بايدن يريد تقديم نفسه بأنه الرئيس المنتخب الذي سيعيد وضع أميركا في مسارها الصحيح.
٢- حاجة إيران لرفع العقوبات.
٣- إدراك بايدن بأن العودة للاتفاق السابق ستواجه رفضاً من الكونغرس الأميركي الذي مازال الجمهوريون يسيطرون على أكثر من ثلثه، الأمر الذي يمنحهم حق النقض وعرقلة العودة فضلاً عن وجود بعض صقور من الديمقراطيين الذين يرفضون أي اتفاق مع إيران يزيد من قوتها.
بكل الأحوال التحديات في انتظار بايدن وهي كبيرة على صعيد الأوضاع الداخلية التي ستشكل معظم اهتمام إدارته خلال الأشهر الستة الأولى من ولايته، ولن يكون هناك تحريك للمياه الراكدة في الملفات الحساسة بما فيها الملف النووي الإيراني قبل انقضاء ستة إلى اثني عشر شهراً، هذا إن لم يقدم الرئيس الحالي ترامب على ارتكاب مغامرة يمكن وصفها بالجنونية عبر استهداف المنشآت النووية الإيرانية أو أحد حلفائها من محور المقاومة في سورية أو لبنان، أو الاستمرار في سياسة الاغتيالات وتوسعها أفقياً، في محاولة منه لتقديم آخر هداياه لتل أبيب من جانب ولخلط الأوراق ووضع المزيد من القيود أمام إدارة بايدن من جانب آخر.