من دفتر الوطن

أزمة سكَن أم إِسكان؟

| فرنسا ـ فراس عزيز ديب

تتوسط إحدى الكنائس العريقة حي السريان الحلبي العتيق، على زاوية تلك الكنيسة كان هناك مجموعة من الغرف القديمة تفصلها عن الكنيسة ساحة كانت ملاذنا للعبِ الكرة أيام الطفولة.
في يومٍ من الأيام استيقظ الحي على أصوات هدمٍ وضجيجٍ قادمة من الكنيسة، وعند السؤال عن مغزى هذا الهدم وأسبابهِ قالوا إن مجمعاً سكنياً سيحل مكانها، هنا بدأت التساؤلات تأخذ الجميع يميناً يساراً، ما هذا المجمع السكني ومن المستفيد من مجمع كهذا؟ بعد انتهاء العمل بدأت تتضح ملامح الفكرة، كان الهدف هو جمع التبرعات التي تحصل عليها الكنيسة لمعالجةِ أوضاع الشبان الذين هم في سن الزواج وغيَر قادرين على تأمين سكنٍ في المنطقة التي يتحدرون منها، كانت المساكن مخصصة لمن يريد الزواج أو للمتزوجين حديثاً وليس لديهم صك ملكية لأي منزل، كانت الفكرة تكافلية بمعنى أنك تدفع مبلغاً بسيطاً لا يوازي أبداً الثمن الحقيقي للمنزل، ثم تسكنهُ مقابل إيجارٍ سنوي بسيط، فلا يستطيع أحد إخراجك منه إلا إن قررتَ أنتَ ذلك، أو استخدمت المنزل لسلوكياتٍ منحرفة.
أتذكر هذه القصة معَ كلِّ مرةٍ يخرج فيها قرار ما يتعلق برفع أسعار مواد البناء في سورية، كان آخرها رفع سعرِ مادة الإسمنت، هنا يبدأ الحديث عن أزمة السكن والارتفاع المرتقب في أسعار العقارات، لكن في الحقيقة لا يجب علينا تحميل رفع أسعار مواد البناء أكثر ما تتحمل في قضيةِ أزمة السكن، لأن تأثيرها في سورية بسيط جداً.
في سورية لسنا كما باقي الدول الشريكة لنا في الهم نعاني قلة في عددِ المساكن، لكننا ببساطة نعاني انعدام القدرة الشرائية للمساكن، فرغمَ الجمود الحاصل في سوق العقارات إلا أن المنازل لم تنخفض أسعارها بل إنها في بعض المناطق تصل لأرقام فلكية تتخطى أسعار القصور في عواصم كباريس ولندن.
على هذا الأساس فإن رفع سعر الإسمنت من عدمه ليسَ قضية, إنما القضية هي بالآلية التي نريد أن نبني عليها العلاج لتفشي وباء «أزمة الإسكان» تحديداً إننا في مرحلةِ إعادة إعمار وهناك الكثير من الأفكار القابلة للتطبيق، حتى فكرة السكن الشبابي على أهميتها لكنها ببساطة فشلت بالوصول للشريحة الأكثر فقراً، أو الأكثر حاجة للمنازل لأنها ببساطة اعتمدت فكرةَ البيع والشراء، ما يحتِّم علينا العودة لفكرةِ المساكن الشعبية ولو عبر التشاركية مع الشركات العقارية والخدمات، حيث تصبح هذه المجمعات السكنية قابلة للإيجار حصراً وليس للبيع على طريقة المساكن العمالية، وبذات الوقت حصر حق الاستفادة لكل عائلة مرة واحدة فقط، هي فكرة بسيطة ومطبقة في الكثير من الدول والتي بسببها شهد سوق العقارات استقراراً، بل نستطيع أن نطورها حسب مقتضيات مصلحتنا الحكومية والشعبية.
في الخلاصة: علينا دائماً السعي للأفكار المفيدة التي تشمل الشريحة الأكبر، تحديداً في مشكلة السكن التي كانت ولا تزال الهم الأكبر للشباب السوري، ببساطةٍ لنبحث في ثنايا الوطن عن ساحاتٍ تشبهُ ساحة الكنيسة تلك، وفكرة تنبثق من الاهتمام بالمحتاج الحقيقي ولنقم فيها تجمعات سكنية ترتقي بطموحاتِ الشباب، ولو كان إنجازها على حسابِ ذكريات طفولتنا، الساحات كثيرة بالمناسبة، لكن لا نعلم لماذا تضيق على أحلام صُنَّاع المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن