قضايا وآراء

الولاء والانتماء الوطني

| د. بسام أبو عبد الله

عندما نطرح هذا العنوان أي الولاء والانتماء الوطني سوف يطرح علينا البعض سؤالاً: من أعطاك الحق لمنح شهادات في الوطنية لهذا أو ذاك؟
الحقيقة أن طرح الموضوع في هذا المقال القصير ليس هدفه التشكيك بوطنية أحد، ولا منح شهادة لأحد بالوطنية، ولكنه سؤال سبق للرئيس بشار الأسد أن أجاب عنه بأن «الوطن ليس فندقاً»، وبهذا المعنى سوف أتطرق لموضوع يثيره مرسوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام عندما أصدر مرسوماً يجرد أي نائب من نيابته إذا كان يحمل جنسية دولة أخرى، وأضاف له شرطاً آخراً وهو عدم الإقامة في أراضي روسيا خلال فترة زمنية معينة، لا بل حتى امتلاك حسابات وودائع في بنوك أجنبية.
في ظل العولمة، وتحول العالم إلى قرية صغيرة والاتجاهات التي عملت على فرضها «الليبرالية الجديدة»، وهي الولاء والانتماء للمال والمصالح فقط، وليس للأوطان، أصبح الأمر بحاجة لنقاش قد يوافقني عليه البعض أو يختلف معنا البعض الآخر، ولكنه جدير بالطرح والحوار بشأنه، وسأحاول أن أعرض وجهة نظري في النقاط التالية:
1- تنص المادة 152 من الدستور السوري على أنه «لا يجوز لمن يحمل جنسية أخرى إضافة للجنسية العربية السورية أن يتولى مناصب رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو عضوية مجلس الشعب أو عضوية المحكمة الدستورية».
وبالتالي فإن المشرع السوري، كما الروسي أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار نظراً لخطورته على الأمن القومي للبلاد، ولفهم القضية أكثر، سأورد مقطعاً من القسم الذي يؤديه الحاصل على الجنسية الأميركية: «أعلن يميناً مطلقاً أنني أنبذ، وأتخلى عن الولاء لكل أمير، وملك، ودولة، والسيادة التي تأتي منها المواطنة، وأنني سوف أدعم وأدافع عن دستور وقانون الولايات المتحدة الأميركية ضد كل الأعداء المحليين والأجانب… وسوف أحمل الإيمان الحقيقي والولاء للشيء نفسه «الدستور والقانون»… وسوف أحمل السلاح نيابة عن الولايات المتحدة الأميركية عندما يكون مطلوباً بالقانون… وسوف أؤدي العمل ذا الأهمية الوطنية… عندما يكون مطلوباً ذلك بالقانون… وأنني آخذ هذا الالتزام بجدية ودون تحفظ ودون تهرب».
أرجو أن نلاحظ العبارات والكلمات التالية: الولاء وردت أكثر من مرة، الإيمان الحقيقي، رفض سيادة أي طرف آخر، العمل ذو الأهمية الوطنية، الالتزام بجدية… الدستور والقانون.
السؤال هنا: لماذا يحق لهم أن يتحدثوا ويقسموا يمين الولاء والانتماء والإيمان، ولا يحق لنا ذلك، ثم لا يحق لنا أن نطلب من أحد أن يكون وطنياً بالولاء والانتماء وفرض سلطة الدستور والقانون؟!
2- سأورد نموذجاً لما تريده الولايات المتحدة الأميركية، وبعض القوى الغربية، وهذا النموذج هو مقياس لعدم الانتماء والولاء الوطني، وهو الرئيس الجورجي السابق ميخائيل سكاشفيللي، وقصة سكاشفيللي أنه ولد في جورجيا عام 1967، ثم درس ما بعد الابتدائية في أوكرانيا، وتخرج في كلية الحقوق في جامعة كييف، وتابع دراسته في الولايات المتحدة وفرنسا، وفي عام 2003 كان أحد قادة ما سمي بـ«الثورة الوردية»! التي أطاحت بالرئيس السابق إدوارد شيفارد نادزه، أحد خونة الاتحاد السوفييتي «الذي باع شرفه» لمصلحة الأميركيين، وكافؤوه برئاسة جورجيا، ثم أطاحوا به، وأتوا بـسكاشفيللي الذي أتى على خلفية كذبة «الديمقراطية الغربية وحقوق الإنسان»، فحكم ما بين 2004-2008 بنسبة أصوات 96 بالمئة، ثم فاز بانتخابات 2008 بنسبة 52.5 بالمئة، ولاحظوا التراجع، بعد انكشافه، وتوريط بلاده في حرب مع روسيا.
في عام 2015 منحه الرئيس الأوكراني بيتروبوروشينكو الجنسية الأوكرانية، وعينه حاكماً لأوديسا، ولكنه على ما يبدو أراد أكثر فعض اليد التي مدت له ما اضطر الرئيس الاوكراني لنزع الجنسية عنه، فأصبح سكاشفللي رئيساً بلا جنسية فبلده الأصلي جورجيا نزعت عنه الجنسية لأنها لا تسمح بالجنسية المزدوجة، وأوكرانيا نزعت عنه الجنسية الثانية، وهكذا تحول رئيس دولة إلى مرتزق في هذه الدولة أو تلك، فهل يمكن أن نفهم مثلاً أين هو ولاء وانتماء سكاشفللي مثلاً؟ أو أي شخصية مثيلة له!
3- في العراق مثلاً يحظى هذا الموضوع بالجدل بين من يسمون عراقيي الخارج والداخل، ومن يحملون الجنسية المزدوجة، هربوا من ملاحقة الجهات القضائية العراقية بملفات الفساد، واحتموا بالجنسية الثانية التي يحملونها، ما يثير حتى الآن نقاشاً حول الولاء والانتماء الوطني، فمن أدى القسم لنيل الجنسية الأميركية إما أنه يكذب على أميركا وإما يكذب على وطنه الأم، وخاصة أن تضارب المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية، بل حتى الثقافية يجبرنا على طرح هذا التساؤل!
4- إذا أخذنا نماذج من سمّوا أنفسهم «معارضين سوريين» في الخارج فهم أقرب للنموذج العراقي، ونموذج سكاشفيللي، فهم موالون لمن يدفع وموالون لجوازات سفرهم وإقامتهم ومصالحهم، وكان مخططاً لهم أن يأتوا كممثلين لدول احتلال حسب الجنسية، من الأميركية، والبريطانية والفرنسية والتركية، والقطرية والسعودية، ولا ندري ما الجنسيات الأخرى، ولهذا فإن الصعوبات التي تواجهها لجنة مناقشة الدستور تنطلق من أن هؤلاء لا يناقشون من مبدأ السيادة الوطنية السورية، ولا من منطلق الولاء الوطني لشعبهم ودولتهم، بل من منطلق «الولاء» الذي ورد في قسم الجنسية الأميركية مرتين، و«الولاء» للبترودولار، والولاء للمصالح، ولكن بالتأكيد ليس الولاء للأرض والوطن، وشقائق النعمان، والصبر والحصار، والأمل بالنصر، وأرجو ألا يجادلنا أحد بذلك، لأنك إن كنت مواطناً عادياً فمن حقك أن تحمل جنسيتين، وإن كنت خبيراً طبيباً ورجل أعمال بإمكانك أن تقدم لوطنك، ولا أحد يشكك بالولاء والانتماء هنا، لكن بالنسبة لمن يتنطّع لقيادة شعب وجيش ومصالح وقرار مستقل ويحافظ على السيادة، فإن السؤال الذي يطرح: هل ولاؤك وانتماؤك هو وطني أم لـتركيا؟ وهل تستطيع أن توائم بين مصالح أميركا وبريطانيا وفرنسا وبين مصالح شعبك وبلدك، بالطبع حين تضارب المصالح بين الدول يفترض بالوطني أن يقف مع مصالح بلده وشعبه، ولكن هؤلاء للأسف الشديد أظهروا ولاء وتبعية، ونفذوا يمين الولاء للأميركي ومصالحهم، ودون كذب ونفاق سيخسر هؤلاء الدنيا والآخرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن