الامتحان الأقسى كاد يضرب اللعبة في مقتل خلال 2020 … التأجيل فرض نفسه على كرة القدم في عام كورونا
| خالد عرنوس
ساعات قليلة ونودع عام 2020 بكل ما فيه من منغصات ومآسٍ غير آسفين ولا نادمين عليه راضين بقضاء اللـه وقدره، وقد تعودنا في «الوطن» في مثل هذا الأيام على تقديم بانوراما كرة القدم عن العام الذي يقترب من الأفول، ولكن قبل الدخول في حصيلة 2020 علينا استرجاع الأحداث لعام كان كئيباً بكل معنى الكلمة في كثير من أيامه على مستوى اللعبة الشعبية الأولى كادت تصاب في مقتل بسبب فيروس كورونا أو ما يعرف بوباء «كوفيد 19» لكنها سرعان ما عادت إلى الساحة بطريقة عرجاء لم ولن تستوي حتى إشعار آخر ويكفي القول إن كورونا كان بطل المشهد لعام 2020 ونتمنى أن يكون 2021 نهاية البطل الشرير في أسرع وقت.
الامتحان القاسي
لم تتعرض لعبة كرة القدم طوال تاريخها لهزة كما في عام 2020 وما فشلت به كل المآسي والحروب التي شهدها العالم خلال القرن العشرين نجح به الداء الذي أصاب العالم برعب لم ينته حتى الآن، فقد تعطلت بعض البطولات والمنافسات وتوقفت كثير من المنتخبات وعديد الأندية عن ممارسة اللعبة خلال الحربين العالميتين لكن اللعبة ظلّت قائمة في دول أخرى وبقيت دوريات كاملة قائمة والمنافسة على أشدها في عدد من بلدان العالم حتى إن بعض الدول المحاربة مارس جنودها كرة القدم أثناء المعارك ولو بشكل بسيط، وبالتالي لم يصب اللعبة ما أصابها جراء كوفيد 19، وتوقفت نشاطها قرابة شهرين في السواد الأعظم من العالم وأدى ذلك إلى تأجيل كل البطولات الكبرى في القارات الخمس إلى العام القادم 2021، ومنها بطولات أوروبا وأميركا اللاتينية للمنتخبات وكذلك الألعاب الأولمبية برمّتها.
ورغم أن بعض الدول القليلة لم تتوقف عن مزاولة اللعبة إلا أن معظم الأندية الكبيرة والمنتخبات أصيبت بالشلل منذ منتصف آذار، وجاءت العودة التدريجية منتصف أيار مبتورة دون حضور جماهيري ومازالت معظم المباريات في أربعة أصقاع العالم تقام أمام مدرجات فارغة ما أفقد اللعبة جزءاً مهماً من أساسياتها، فاللعب دون اللاعب رقم 12 كان كمثل العرض المسرحي دون جمهور أو كالأفلام الصامتة فافتقد اللاعبون كثيراً من حماستهم وإن لعبوا بكل قوتهم.
ضربات في الصميم
وبدأت العودة تدريجياً لكن مازالت البهجة ناقصة في الملاعب رغم أن بعض المباريات بدأت تشهد عودة تدريجية للجماهير دون زخم كبير، وامتد الموسم بفعل التأجيل (ألغيت المنافسات في بعض الدول) ما أثر على أداء اللاعبين بالطبع، فلم ينالوا القسط المثالي للراحة قبل العودة للموسم الجديد وتأثر عطاؤهم خاصة أنهم أصبحوا كالآلات للحاق بمواعيد الموسم ولإنهائه في وقت مبكر استعداداً للبطولات الدولية المؤجلة.
وأثرت ضربة كورونا القاسية في أهم مفاصل كرة القدم، فتوقف النشاط أثر سلباً على الإيرادات المالية التي تعتبر عصب الأندية الكبيرة ولاسيما أن معظمها ينتظر ما يدرّه النقل التلفزيوني عليها، وانخفاضها أدى إلى مشاكل مادية مؤثرة مازالت نتائجها حتى الآن ولن تزول في القريب، ومن ثم تأثرت سوق انتقالات اللاعبين التي اختصرت بالأساس جراء التأجيل وانخفضت القيمة السوقية للنجوم ولم يسجل الميركاتو أرقاماً فلكية كما كان يحدث في كل صيف واكتفت بعض الأندية بصفقات يمكن وصفها بالمتوسطة على الصعيد المادي، واحتفظت معظم أندية القمة بنجومها الكبار مع بعض الانتدابات الصغيرة هنا وهناك.
معاناة أخرى
انخفاض الإيرادات أثر بالضرورة على سوق الانتقالات، لكن الأهم أن الأندية بدأت بالشكوى من تضخم أجور اللاعبين حتى أن الكثير منها أعلن عن تخفيض جزئي على رواتب العاملين بدءاً من نجوم الصف الأول وانتهاءً بالعمال العاديين التابعين لهذه الأندية، فاضطر البعض للاستغناء عن العمالة الزائدة بعد تأثره بالأزمة، وقد نجحت بعض الأندية في التقليل من حجم الخسائر لكن بعضها أخفق أمام إصرار لاعبيها على عدم التنازل عن أجورهم الكاملة.
ولا يمكن التقليل من حجم الخسائر المادية للأندية وخاصة العملاقة منها والتي تعتمد في دفع الجزء الأكبر من أجور لاعبيها على مردود النقل التلفزيوني والإعلانات وبيع القمصان والتذكارات الخاصة بها، وأيضاً ثمن التذاكر التي يدفعها الجمهور ومنها الاشتراكات السنوية كما جرت العادة، وقد اضطرت بعض الأندية إلى إعادة ثمن هذه التذاكر أو تأجيل بعضها لغاية السماح بحضور الجماهير.
حقن تخدير
المهم أن اللعبة عادت إلى الدوران وانتهى موسم 2019/2020 متأخراً ليبدأ الموسم الحالي 2020/2021 كذلك متأخراً عن المواعيد المعتادة ومددت الاتحادات الكروية سوق الانتقالات لكن لم تحل كل المشاكل بل أجل بعضها بانتظار الوقت الذي سيكون كفيلاً بحل عدد منها، إلا أن أسئلة كثيرة باتت تطرح بإلحاح، ومنها متى سينهي الموسم الكروي الجديد؟ وأهمها الضغط الكبير الذي تواجهه اللعبة وأهم أركانها، ونعني بالطبع هنا اللاعبين الذين سيقضون موسماً جديداً مزدحماً بالمواعيد ما يعرّض أغلبيتهم لخطر الإصابة والابتعاد عن الملاعب، وقد تابعنا كم الإصابات الهائل في الدوريات الأوروبية وهو الشيء الذي يعد منطقياً قياساً لعدد المباريات التي خاضها اللاعبون منذ استئناف المنافسات هذا عدا الإصابات بالفيروس نفسه والذي طال عدداً لا بأس به من اللاعبين وكان سبباً في تأجيل بعض المباريات خاصة في إيطاليا وفرنسا وأخيراً في إنكلترا.
وبالطبع فإن الراحة مؤجلة حتى انتهاء الصيف القادم الذي سيعج بالكثير من البطولات القارية وكذلك التصفيات المؤهلة إلى المونديال والذي سيشكل منعطفاً مهماً في تاريخ اللعبة بسبب موعده غير المعتاد وهو ما يعد امتحاناً كبيراً لنجاح الفيفا والاتحادات القارية في تنفيذ أجندتها الكروية، لكن يبدو أن كل الأمور تسير في مصلحة البطولة المزمع إقامتها في قطر ذلك أن تأجيلات أخرى أو توقف آخر للعبة سيجعل الاتحادات المحلية تؤجل موسمها إلى ما بعد العرس العالمي.
خوف متجدد
الأخبار المتواترة عن كوفيد 19 أو وباء كورونا المتجدد تنطبق على هذه التسمية الأخيرة، فالتقارير الصادرة عن الأطباء والجهات الرسمية الأوروبية تقول إننا على موعد مع موجة جديدة وإن الفيروس بات متطوراً بحيث ستكون هناك موجات جديدة من كوفيد 2020 وربما 2021 ما يعني إصابات أسرع وحالات أصعب رغم اقتراب العالم من إيجاد لقاح فعال مضاد للموجة الأولى، وبالتالي فإن معالجة توابعه لن تتأخر.
إلا أن أوساط كرة القدم باتت تخشى توقفاً جديداً للعبة أو تأجيلات على مستوى بعض الدوريات في القارة العجوز وهو ما تردد في الآونة الأخيرة خاصة في بريطانيا لكنها بقيت حفيظة انتظار السلطات الصحية والكروية وإن بدأت بعض الإجراءات الاحترازية بمنع بعض المدن من الحضور الجماهيري (الرمزي أصلاً) بشكل تام.
قبل وبعد
من المؤكد أن كرة القدم قبل كورونا غيرها بعد العودة قبل إعلان نهايته ولن تكون كذلك بعد اختفائه، فمن لعبة صاخبة في المدرجات وحول الملاعب قبل وبعد المباريات تحولت إلى لعبة صامتة بفعل المدرجات الفارغة ومنع التجمعات التي كانت تميز شوارع بعض المدن، وبتنا نشاهد الهدافين يحيون الكراسي البلاستيكية عوضاً عن المتفرجين، وبالتالي فقدت اللعبة ونجومها أحد أهم العناصر المؤثرة والمحفزة وهاهو ميسي نجم الكرة العالمية في العقد الأخير يفسر ولو بشكل غير مباشر تراجع أدائه بعدم وجود المشجعين في المدرجات.
وبالطبع فقد تأثرت بعض الفرق من هذه الناحية بعيداً عن العائدات المادية بل كان التأثير في صلب ما تقدمه هذه الأندية، فاللعب أمام مدرجات مملوءة بالمحبين والمنافسين يشكل حافزاً كبيراً لتقديم الأفضل، فاللاعبون تعودوا كما الممثلين في المسرح على التصفيق والتشجيع وصافرات الاستهجان كذلك وقد اختفى كل ذلك الشيء الذي أثر في الصورة المثالية التي تعوّد عليها مشجع كرة القدم، وحتى على صعيد المشاهدة من وراء الشاشة، فقد اختلفت المتعة وخفّ بريق العيون أمامها رغم محاولات القنوات إدخال أصوات مدمجة لأصوات الجماهير والتي نجحت إلى حد ما ولكنها لم تغن تماماً عن هدير الأنصار الحقيقي.
ماذا بعد؟
الأرقام تقول إن ساعة قراءة هذه الكلمات سيكون عدد الإصابات بالفيروس تجاوز 80 مليون إنسان حول العالم وقد تجاوز عدد الوفيات المليون منذ وقت ليس بقليل، وهذا يعني أن المعاناة مازالت مستمرة بانتظار الترياق الشافي، وكروياً مازالت أوساط اللعبة تبحث عن مخارج لعدم التوقف من جديد، خاصة أن كوادرها ليست بعيدة عن الإصابة بالوباء وهاهي بعض الإصابات تظهر في بعض الأندية وربما كانت سبباً في بعض التأجيلات، وهاهو الفيفا يعلن عن إلغاء بطولتي كأس العالم للشباب والناشئين المقررتين في العام 2021، وقد نشهد تأجيل أو حتى إلغاء البعض الآخر، والقرار بيد السيد كوفيد 19 ومكافحيه، إلى أين ستصل كرة القدم؟.. وهل تنتهي أزمتها في 2021؟.. أم إنها ستمتد أكثر حتى المونديال؟.. كل ذلك مرهون بتقبل العالم لهذا الفيروس والتعايش معه أو مكافحته نهائياً، ونتمنى هنا بالطبع أن يغيب كورونا عن عالمنا في أقرب وقت.
.. وللحديث بقية..