سامر روماني لـ«الوطـن»: معرض «بقاء» يطرح أسئلة حول المعضلات الإنسانية الكبرى
| سوسن صيداوي
في الصلابة والقوة حضور طغى، فالفكر شبابيّ متّقد، وروح الإبداع نزقة نحو اللامحدود، تجتمع كلّها في ثلاث وعشرين منحوتة، من البرونز القوي الثابت والخشب الحاضن، مصارعة بفكر وجوديّ أزليّ نحو (بقاء)، بأسلوب تعبيريّ يجسّد الصراع الأزليّ للتمسّك بالحياة، عبر توازن حركيّ يسعى إليه (الثور) في الفضاء. (بقاء) هو اسم للمعرض الفردي الأول للفنان سامر روماني والذي تم افتتاحه في صالة تجليات بدمشق، وهو أحد المشاريع الحاصلة على دعم برنامج (مختبر الفنون) في دورته الخامسة.
الكلمة للفـنان
لطالما شارك الفنان التشكيلي سامر روماني بالعديد من الملتقيات النحتيّة مع زملائه الفنانين، ولكن كما أشرنا أعلاه هذا هو معرضه الفني الأول، وبتصريحه لـ(الوطن) تحدث عن تجربته هذه: «هذا هو معرضي الفردي الأول، وأطلقت عليه عنوان (بقاء)، وهو مؤلف من ثلاثة وعشرين عملاً نحتياً، مصنوعة المنحونات من مادتي البرونز والخشب بأحجام مختلفة، (بقاء) يلخص مجموعة أسئلة لا مفرّ منها، سواء بالنسبة لي وأيضاً للكثير الكثير من الناس، تدور حول السبيل إلى البقاء هرباً من حتميّة الأزل أو الموت. وهذا ما جاء تصويره بالمنحوتات عبر توليفة ما بين الكرة والثور بحركات مؤنسنة ببعض الأحيان. تعبّر الكرة عن: الهدف، الغاية، الحلم….. إلخ، وهي بحالة من عدم الاستقرار ومتجهة نحو السقوط الحتميّ، ضمن فلتان زمني مع ذروة من الفعل الحركي الذي يهدف للبقاء، والذي استمراريته متعلقة بمدى قوة الثور وقدرته على التحمّل».
وعن الصعوبات التي يواجهها الجيل الشاب في تأمين المواد الخام اللازمة للنحت أشار فناننا، إلى الغلاء والحيرة التي تواجه معظم الشباب، لافتاً إلى أنه اختار أن يصوغ منحوتاته بأحجام صغيرة ليكون قادراً على تكلفة المواد الأولية.
أما بالنسبة لتحديات ضعف القدرة الشرائية تابع الفنان التشكيلي سامر روماني: «ما يهمني في الوقت الحالي هو إيصال أفكاري وإبداعاتي للجمهور بالطريقة الصحيحة، وأن أستمر أكثر في مجالي رغم انقطاعي عنه لمدة ثماني سنوات لالتحاقي بالجيش العربي السوري، خدمة الوطن».
خاتماً بأن انطلاقه في معرضه الفردي الأول يشجعه كي يواصل قدماً من بلده سورية نحو العالمية.
مرآتنا ثور…!
من جانبه تحدث الفنان التشكيلي والناقد عمار حسن بأن الطرح في معرض (بقاء) مختلف، فالثور ليس تقليدياً، بل هو مزيج من أنواع من الثيران قد يكون أكثرها وضوحاً ثور (البيسون)، لكنه في النهاية يجسد الطاقة التي تمثّلنا في مواجهة التحديات والرغبات والإحباطات، متابعاً حسن بأن الثور ما هو إلا نحن وفق استعارة الفنان البصرية، فهو تلك الطاقة الكامنة فينا حيال الحياة والحب.
مضيفاً: «في هذا المعرض نحن أمام دراما تصويرية لهذا العمق من المشاعر، عبر ثور يمكن تسميته مرآتنا، مرآة من دراما نحتية تتوقف كل مرة عند قطع حاد وكأنه على نصل سكين، ليمثل فيه العمل النحتي ذروة الحدث الانفعالي وهذا مدروس بعناية، عناية الجراح بالجرح.
هذا ويستعير الفنان سامر روماني بالكرة ولكن بمفهوم آخر، لتكون الشيء أو الرغبة أو الهدف أو الحالة، حسب ارتباطها بحركة الثور أو ارتباط الثور بها، فالكرة تمثل كمالاً في الشكل الهندسي واكتمالاً في المعنى الذي يشكل حافزاً للثور للحركة مهما بلغت صعوبتها وحدّتها ومحاولاً في كل مرة الوصول إليها، وهنا تبرز حرفنة وبراعة الروماني في تلك اللمسات على جسد الثور، هذا وبالمقابل سيلاحظ الجمهور بأنه وفي منحوتات أخرى، في شكل آخر للمنحوتة، سنجد الثور قد أضناه التعب ويأخذ قسطاً من الراحة ليستأنف الصراع في محاولة للوصول إلى الهدف من جديد، والأمر جليّ وواضح عبر التلامس ما بين قدم الثور والكرة وحركة عينيه المتعبتين».
في عالم الفـنان
من جانبه اعتبر الفنان التشكيلي عصام درويش بأن أعمال الروماني تجتمع مع أساتذته من حيث تناولهم لعمق المعضلات الإنسانية الكبيرة، أو رغبتهم الدائمة في تجسيد الصراع الذي لا ينتهي ما بين الخير والشر، الأبيض والأسود، بين الجوع والشبع، أو بين كل إنسان ونوازعه وفي علاقته مع الآخر، حيث يلجؤون في واحدة من حيلهم القديمة الجديدة إلى استبدال عالم الإنسان بعالم الحيوان في محاولة لتفادي المساءلة أو سوء الفهم، تماماً كما في كليلة ودمنة حيث تخاطبنا بحكمة من اختبر حياة البشر.
وعن الثيران يجدها درويش قوية والفنان سامر روماني صاغها بمهارة تليق بنحات واقعي يحترم ما تتطلبه الواقعية كمذهب، فالنسب صحيحة والاهتمام بالتفاصيل، واحترام الشكل ومتطلباته، مع رؤية الفنان الخاصة ومساهمته في تطوير موديله، هي مهمة أساسية لهوية تشكيلية مستقلة.
محور الموضوع
وأخيراً أشار النحات مصطفى علي إلى المحور الحاضن لموضوع معرض (بقاء) قائلاً: «الكرة والثور محور الموضوع، حيث يجمع بينهما تبادل متناغم ما بين القوة والمرونة ومتعة التجاذب، هذا والموضوع الذي اختاره فناننا سامر روماني هو حوار بين جسمين في فراغ، يلاحظ الخفة ودور الفراغ في حركة الثور والكرة المتدحرجة، ينهض الثور ليقابل ويصعد ويصول ويجول في اندماج بين الكتلة المصمتة والجسم المرن، عراك القوة للبهلوان والكرة».