في القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام الروسي بالعربية أدباً ولغة وقد ترجمت الآثار العربية إلى الروسية وعلى رأسها السير الشعبية مثل سيرة عنترة التي نقلها إلى الروسية ١٨٣٣ الكاتب سينكوفسكي. كما ترجمت مختارات من عيون الشعر وسير الشعراء ففي عام ١٨٦٣ترجمت معلقة امرئ القيس التي حاكاها الشاعر الروسي بونين بقصيدة حملت اسم الشاعر العربي وترجمت شهرزاد ما دفع الموسيقي الروسي الكبير ريمسكي كورساكوف إلى صياغة سيمفونيتين تحملان ملامح الفروسية والحب تأثراً بعنترة وشهرزاد كما يشير الدارسون. ولأن الاهتمام بالأدب العربي كان نابعاً من الحب والإعجاب ابتداء من القرآن وبوشكين إلى امرئ القيس وبونين فقد استمر الاهتمام الروسي بالأدب العربي في القرن العشرين وبعد الثورة الروسية أيضاً.
وقد بذل المستعربون الروس جهوداً كبيرة من تلقاء أنفسهم وترجموا النتاجات العربية وقدموا دراسات مهمة في الأدب العربي وأسسوا لذلك مدارس ومعاهد وورشات وبعد قيام ثورة ١٩١٧ ارتفعت وتيرة الاهتمام بالأدب العربي وأسس لترجمة الآثار بما فيها العربية دار نشر الأدب العالمي وحسبنا أن نذكر أن هذه المبادرة كانت من الكاتب الروسي العظيم مكسيم غوركي صاحب رواية الأم فصار الاهتمام على نطاق واسع.
وأشرف على المشروع العربي المستعرب الكبير أغناطيوس كراتشكوفسكي الذي وضع أسس دراسة الأدب العربي وتحقيق التراث.
وصدرت ابتداء من العقد الثاني في القرن العشرين كتب مهمة مثل الاعتبار للأمير أسامة بن منقذ فارس قلعة شيزر وكتاب البخلاء للجاحظ وكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع وألف ليلة وليلة بترجمة ميخائيل ساليه كما ترجم نفسه طوق الحمامة لابن حزم وعودة الروح لتوفيق الحكيم على حين ترجم كراتشكوفسكي قسماً من الأيام لطه حسين.
كما ترجمت أعمال كثيرة قديمة ومعاصرة على رأسها كتاب البديع لابن المعتز قام بها كراتشكوفسكي. وعلى الرغم من أن المستفيد من هذه الأنشطة الأدب العربي إلا أن المستعربين الروس هم من قام بالترجمة والاختيار وتغطية كل ما يحتاجه المشروع.
ووضع أسس الترجمة البروفسور بارانوف الذي وضع أول وأضخم معجم عربي روسي الذي يذكر المترجم خيري الضامن بأنه المعجم الأفضل.
لقد كانت الغاية معرفية لذلك لم يتوقف الروس عند التراث القديم بل استمر اهتمامهم للعصر الحديث وفي مختلف الفنون الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية وهو ما يقوي العلاقة الشرقية بين الأدبين والشعبين.
الفن السينمائي السوري وروسيا
لم يكن المعهد العالي للفنون المسرحية قد أسس في سورية. لذلك كان السوريون مضطرين للسفر لدراسة المسرح والسينما.
كانت القاهرة ومنذ زمن الوحدة المقصد الأول لدراسة الفنون وخاصة المسرح.
أما السينما والصورة فالأمر مختلف وتأخر نوعاً ما عن المسرح وكانت الوجهة الأولى منظومة الدول الاشتراكية ومنها روسيا على وجه الخصوص. وقد خرّجت معاهد السينما في دول الاتحاد السوفييتي سابقاً عدداً من كبار مخرجينا الذين أسسوا للفن السينمائي في سورية ومن خلال المؤسسة العامة للسينما. وبعض المخرجين درسوا في دول اشتراكية لكنها تحمل البصمة السوفييتية في الفكر والفن.
هؤلاء أسسوا للسينما السورية الملتزمة منذ بدايات الإنتاج السينمائي المهم من الفهد لنبيل المالح إلى الكومبارس.
ومن أحلام المدينة لمحمد ملص إلى حادثة النصف متر لسمير ذكرى وتراب الغرباء له وشيء ما يحترق لغسان شميط. والترحال والطحالب لريمون بطرس.
وظهر فيلم متقدم تأثر بالمدرسة الروسية وإن لم يكن من صلبها هو القلعة الخامسة للصابوني.
وأفلام أخرى كثيرة تدخل ضمنها أفلام باسل الخطيب ولو جاءت بعد تجربته التلفزيونية التي أخذت النهج نفسه. ومن العلامات عبد اللطيف عبد الحميد خاصة في أفلامه الأولى.
لست بصدد تقويم التجربة السينمائية السورية. ولكن لبيان العلاقة الوطيدة التي تربط بين الفن السينمائي السوري والروسي، فالمدرسة الواقعية الروسية تركت أثرها في السينما السورية فكرياً وفنياً ما جعل السينما السورية حتى ممن لم يدرس في المعاهد الروسية من السوريين ينهج نهجها.
وهذا ما جعل السينما السورية تسعى إلى المقولات على حساب المستوى الفني. وكثيراً ما يناقشك المخرجون السوريون في الأفكار والمقولات على حساب الجانب الفني وغالباً ما يسوغ إهمال النواحي الفنية بأن المقولات أهم!
ومع تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق كان للخبرات الروسية الدور الأكبر في التعليم الفني. ولا يزال الفنانون السوريون يذكرون أولئك الأجلاء الذين أسسوا لنهضة علمية فنية في سورية إضافة للبعثات التي بقيت مستمرة في الدفعات الأولى من الخريجين.
وما تزال المناهج والنظريات في التدريس تعتمد المدرسة الروسية.
صعدت المدرسة الروسية كثيراً وأي تقصير في مجاراتنا يعود إلينا وليس إليهم.
ولاشك في أن بقاء السينما السورية على مقولات فكرية هو حالة إيجابية المطلوب تعزيزها بالتواصل مع المعاهد الأولى وبالتدريب المستمر.
الأدب الروسي إلى العربية
حركة الترجمة بين اللغات تسير باتجاهات عدة وحسب الحاجة، إذ يقوم المترجمون بنقل ما يريدونه ويجد رواجاً في لغاتهم. فتمت ترجمة الروايات العالمية لهوغو وديكنز وغيرهما من كتاب الغرب. وكان الحافز الأول اللغات العالمية التي يعرفها المترجمون. والأدب الروسي كان حالة خاصة إذ تنبه المستعربون إلى ندرة الذين يتقنون الروسية فأسسوا المعاهد ودور النشر واختاروا الأدباء الكبار من أمثال سامي الدروبي وأبو بكر يوسف. ونشطوا حركة الترجمة وإن كانت عبر لغة وسيطة كالفرنسية والإنكليزية واعتمدوا المراجع العارف بالروسية فترجم دستوفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي وغوغول وأغلب كتابات المبدعين الروس وتم توزيعها بأسعار زهيدة تقترب من المجانية.
نتج عن هذه الحركة في الترجمة تيار أدبي واقعي أو اشتراكي تأثر بالأدب الروسي وسبب نهضة كبيرة في الرواية والقصة والشعر. وصار لدى العرب وسورية خاصة مجموعات أدبية تنهل من الأدب الروسي والتجربة الروسية أدبياً وأيديولوجياً.
ومن بعد جاءت البعثات العلمية حيث ذهب كم كبير من الدارسين باتجاه جمهوريات الاتحاد السوفييتي وأخذت الترجمة توجهاً منظماً ومن اللغة الأم مباشرة وعمد عدد من الدارسين إلى نقل الأدب العربي إلى الروسية والروسي إلى العربية.
إضافة إلى أن هذه البعثات قربت بين الشعبين في العادات من خلال التزاوج والإقامة الدائمة في كلا البلدين.
ولا تزال حركة الترجمة دؤوباً ولم تقتصر على الأدب بل اتسعت لتشمل السياسة والعلوم والفضاء وقد اغتنت المكتبة العربية بالكتب العلمية رياضيات وفيزياء وكيمياء وعلوم ومعرفة ولمختلف الأعمار… منها المسلي ومنها العميق. وكذلك أغنت الترجمة مكتبة الطفل العربي بعيون القصص الروسية.
تركت هذه الحركة أثرها وتأثيرها اعتماداً على تقارب البيئة الاجتماعية والطبقية وتقارب الغايات.