يسلك المخرج السوري باسم السلكا طريقاً متفرداً وخاصاً غير آبهٍ بكل الفرضيات التي طرحت قبله، معتمداً أسلوب التشويق والإثارة لإعطاء روح للفكرة وعبرة للنص، أما الصورة فراح بها إلى عوالم مفتوحة الآفاق عبر تلوين يخدم النص المكتوب، كلوحة اختار فيها انتقاء الألوان بعناية وتهذيب الزوايا وملء المكان بحالة تعبر عن المحتوى المطروح.. في حالة سينمائية ملفتة وجديدة، لينقذ حالة النضوب التي تعاني منها الدراما السورية خلال السنوات الأخيرة.
وبالرغم من أنه لم يخطّط يوماً لاحتراف الكتابة الدرامية، حيث كتب الجزأين الأخيرين من مسلسل «الهيبة»، إلا أن الكتابة بقيت بالنسبة له طريقاً ثانوياً لا تفي بكل طموحاته، بل يفضل مهنة الإخراج التلفزيوني التي يسعى من خلالها إلى تأكيد حضوره القوي فيها.
وابتعد السلكا من جهة عن المطروح وما اتبعه أسلافه في دراما رتيبة لم يتحرك فيها ساكن لسنوات، في حالة إصرار وتحدٍ دفعته ليقدم دراما بنكهة جديدة بتنا بأمس الحاجة لها في ظل المتغيرات، وخاصة لمواكبة الأنواع الدرامية المطروحة عربياً وخاصة مصرياً حيث غدت الدراما في مكان ترتقي تماماً عن درامانا التي استنزفتها سنوات الحرب، في حالة إعادة الأمل لنقول وفي غمرة التدني إن درامانا ولادة حفلت وستحفل بجيل ينصفها ويعطيها حقها.
المشهد1
ويعرض الآن للسلكا عملان الأول بعنوان «بورتريه» على قناة «لنا» الذي وقعه بصفته مخرجاً تلفزيونياً، بعد العشرات من الأعمال التي قدّمها سابقاً ككاتب للسيناريو وهو من إنتاج إيمار الشام.
وتطرح حكاية «بورتريه» التساؤل حول قدرة الحب بين الشابين على إزالة رواسب الماضي بين عائلتيهما، أم إنه سيتحول سيلاً جارفاً يدمر كل ما يحيط بالعاشقين، بسبب لعنة حبٍّ سابق لم يكتمل.
ورغم أن الحكاية قد تبدو «كلاسيكية» في مدخلها، لكن السلكا لفت إلى أنه وجد في النص الذي كتبه تليد الخطيب وهو المحاولة التلفزيونية الأولى للكاتب الخطيب، شيئاً ملفتاً في حكاية تضيء على شريحة الشباب ومشكلاتهم وطبيعة حياتهم، ويخبرنا عن بعض المتاعب التي يعانون منها والآمال التي يريدون الوصول إليها.
وتدور أحداث المسلسل في إطار اجتماعي- تشويقي، حول قصّة حب بين (ريما) و(حازم)، تبدأ فصولها من لقاءٍ عابر في ظروفٍ غير اعتيادية، لكنّ هذه القصة ستثقلها أحقادُ ماضٍ عائلي مشترك بينهما، لم يكونا يعلمان عنه شيئاً، وسيلقي بظلاله على مستقبل علاقتهما، عبر مستويين وزمنين مختلفين، قدم من خلالها وجوهاً سورية شابة، تدفع بهم لدائرة الضوء، عبر إسناد أدوارٍ أساسية لهم، كالممثلة الشابة ترف التقي بدور (ريما)، والممثل الشاب هافال حمدي الذي يؤدي دور (حازم)، إلى جانب فنّانين من نخبة نجوم الدراما السورية كفادي صبيح، مديحة كنيفاتي، جلال شموط، سيف الدين السبيعي، أكثم حمادة، نوار يوسف وجفرا يونس، وممثلين كثر آخرين، بينهم شباب يقفون للمرة الأولى أمام الكاميرا.
والآن الأصداء كثيرة حول العمل خاصة أنه يقدم من خلال نص جريء لم نعتد عليه كثيراً أو منذ زمن طويل في الدراما.
المشهد2
على المقلب الآخر يعرض مسلسل «العميد» كتابة السلكا وإخراجه وهو مسلسل جريمة ودراما وإثارة وتشويق سوري لبناني من بطولة تيم حسن وكاريس بشار، تأتي أحداث المسلسل في 12 حلقة، مع إمكانية إنجاز مواسم أخرى منه وتدور الحكاية حول عميدٍ في إحدى الجامعات اللبنانية، وتحدث جريمة غامضة تجبر العميد مراد على الابتعاد عن محاضراته الجامعية والتفرغ لعالم التحقيق في الجرائم، كما يعرض المسلسل قصة النازحين السوريين الذين غادروا بلادهم بسبب ظروف الحرب ويتحدّث عن عالم الجريمة ويكشف خطوطها ويفسّر وقائعها، ولكن الخط الواسع فيه هو القانون بما يشمله من انعكاسات اجتماعية وإنسانية.
ويقدم الممثلون أفضل ما عندهم من خلال قصة تضع لنا مجهراً أمام مخيمات لفّت السوريين ففاضت بهموم ومشكلات تعجز الكلمات عن وصفها ونضحت بقهر وتعذيب وحياة غير مشروعة أو آمنة، وفي الضفة الأخرى يصور الروائية سلمى جابر التي تلجأ إلى البروفيسور مراد في الجامعة اللبنانية ليساعدها في التحقيق بقضية مقتل زوجها، وذهب السلكا إلى تحقيق حالة تشويق كبرى من خلال النص الذي كتبه، وفي أسلوب إخراجي يعتمد على إيجاد دلالات بصرية محددة تخدم الفكرة المقدّمة.
الأحداث حبكت بشكل متين وجميل ومشوق ومثير ونلاحظ أن في كل حلقة يحملنا شوقنا إلى توقع الأحداث المقبلة وانتظار ما ستؤول إليه النهايات عن تجارة المخدرات والأطفال والكثير من الموضوعات المهمة يطرحها بشكل درامي منطقي.
أما بالنسبة للحالة البصرية، فقد أوجد السلكا شيئاً مختلفاً من خلال استخدام لون الخلفية بين الرمادي والأزرق ليمنح للحدث برودته وحياديته، أما اللون الطبيعي البشري فقد تم استخدامه لإيضاح العلاقة الطبيعية بين الشخصيات، كذلك اختلفت الألوان في المخيم لكي تحمل دلالات بصرية موظفة.
أمل جديد يضعه السيناريست والمخرج باسم السلكا بين أيدينا لنشاهد الصورة بشكل مختلف ولنعيش الأحداث بمنطقية وإثارة ونكون قادرين على المنافسة في الدراما السورية من جديد.