حُسمت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد التئام المجمع الانتخابي، ونال المرشح جو بايدن 306 أصوات مقابل 232 صوتاً لدونالد ترامب. وبالتالي نجاح بايدن أمر بات محسوماً، وحفل تنصيب الرئيس محدد في العشرين من كانون الثاني المقبل، وسقطت أحلام دونالد ترامب الرئيس المنتهية ولايته، وهو يقضي ليالي ثقالاً في آخر أيامه داخل البيت الأبيض بعد الخسارة التي مني بها ويستعد للرحيل، مسؤولون في الإدارة الأميركية قالوا للمؤسسة الإعلامية الأميركية «سي إن إن»: إن ترامب ما زال محصناً داخل المبنى، بالتزامن مع إنكاره الخسارة أمام الرئيس المنتخب جو بايدن.
سيذكر التاريخ أن الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، كان رجل أعمال وعقارات متهوراً، ضعيف الخبرة السياسية، شعبوياً، عنصرياً، يكره الأجانب، أدار أكبر دولة في العالم كشركة خاصة، استباح شرعة حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة وقواعد النظام العالمي.
ترامب، متحيز للصهيونية، ونجح في شفط المليارات من أموال النفط لحكام الخليج، دعم التنظيمات الإرهابية، وفرض عقوبات اقتصادية ظالمة على دول وشعوب لأنها تحارب الإرهاب. ومنذ وصوله إلى الرئاسة الأميركية بدأ الصدام مع مؤسسات النظام الأميركي، أصدر قرارات نقضها قضاة أميركيون، وبعض قراراته رفضها مجلسا النواب والشيوخ، ولاحقته الشكاوى بالعشرات من نساء بالاغتصاب أو التحرش، واتهامات بالتهرب من الضرائب قبل وصوله إلى الرئاسة، وخاصم وسائل إعلام أميركية كبرى، وصرحت رئيسة مجلس النواب الأميركي أنه لا يشرفها أن يكون ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
من جهة ثانية كان التخبط في القرارات هو السمة البارزة لترامب، حيث ضرب الرقم القياسي في عزل المسؤولين الأساسيين في إدارته، ورفع شعار «أميركا أولاً» ولم ينفذ منه سوى خلافات مع حلفاء الولايات المتحدة، وبدا وكأنه في حرب مع طواحين الهواء.
وقّع ترامب في 25 آذار 2019، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مرسوماً يمنح إسرائيل اعترافاً أميركياً بأن الجولان أرض إسرائيلية، ما شكّل تحولاً كبيراً وخطيراً في سياسة أميركية استمرت عشرات السنين حيال الوضع القانوني للجولان.
إعلان ترامب جاء ليؤكد صهيونيته، حيث قوبل بمعارضة جميع الدول ورفض مجلس الأمن بالإجماع لقراره حول الجولان، وهو قرار عنصري استباح القانون الدولي، ووضع ترامب وحيداً في مواجهة المجتمع الدولي، القرار يعتبر تجاوزاً للقانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول، ويحرّم ضم أراضٍ محتلة، ويفتح الباب واسعاً أمام العبث بمنظومة العلاقات الدولية، وهو تجسيد للتحالف العضوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 الذي اتخذ بالإجماع في 17 كانون الأول 1981 رفضاً للخطوة الإسرائيلية بضم هضبة الجولان.
قرار ترامب حول الجولان دعم للحرب الإرهابية الكونية ضد سورية، أي دعم للإرهابيين وتنظيماتهم متعددة التسميات والولاءات، وهو دعم للإرهاب الاقتصادي الذي تجسده العقوبات الاقتصادية القسرية الجائرة ضد سورية، صحيفة «فاينانشال تايمز» ذكرت بتاريخ 7 كانون الأول 2017 أن قرار ترامب حول الجولان نوع من التخريب الدبلوماسي الذي أضعف الولايات المتحدة أمام العالم.
إن رجل الأعمال الذي أصبح رئيساً لبلد يدعي الديمقراطية والريادة في حقوق الإنسان، أعلن أن أميركا قررت أن تعتبر القدس عاصمة إسرائيل، وأن ينقل سفارته من تل أبيب إلى القدس. قرار ترامب كان تأكيداً لانحيازه لإسرائيل، وهو قرار مُشبع بالظلم والعنصرية على صعيد الخارج.
أيضاً انسحب ترامب من الاتفاق النووي المبرم بين الدول الـ5+1 وإيران والمصادق عليه بالإجماع من مجلس الأمن الدولي، وأعلنت جميع الدول التزامها بالاتفاق، وأكدت منظمة الطاقة النووية وفاء إيران بتعهداتها وتكذيب اتهامات إدارة ترامب، كتب أستاذ العلوم السياسية جون ميرشييمر في صحيفة «نيويورك تايمز»: إن سياسة ترامب تجاه إيران؛ حشرت الولايات المتحدة في زاوية من دون وجود أي نافذة دبلوماسية في الأفق، وإن القادة الإيرانيين لا يثقون بترامب ويدركون بأن ترامب قد ينسحب من أي اتفاق يبرم معه.
ترامب كان يهدد بالحرب على إيران ويشجعه صقور البيت الأبيض وإسرائيل، وهو في قرارة نفسه، خائف من الحرب لأنها تهدد مستقبله السياسي، قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق الإيراني أضرّ بمصداقية الولايات المتحدة في الساحة الدولية، وأحدث خللاً بل مواجهة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، وترك الولايات المتحدة وحيدة في مواجهة الدول الخمس، روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا.
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن الاتفاق النووي مع إيران يجب أن يبقى المرجعية الجوهرية الوحيدة، وإن قرار ترامب بالانسحاب انتهاك لقرار مجلس الأمن.
من ناحية أخرى حاول ترامب تسجيل مجرد انتصار شكلي مع زعيم كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون وسافر مرتين للقائه وكان يصفه قبل ذلك بأقبح الأوصاف ثم أصبح الصديق الحميم، لكنه صار موضع سخرية أمام معارضيه.
ترامب انسحب أيضاً من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ومن عدد من الاتفاقات الدولية، كما انسحب من منظمة الصحة العالمية.
ترامب كان يعيد إنتاج اللعبة الأميركية القديمة الجديدة في الخليج، وعلى كل جبهات «الابتزاز الأميركي»، يخلق «شبحاً افتراضياً» باللجوء إلى مزيد من الضجيج بلا طحن، ترامب لديه جهل بحقائق العالم ومتغيراته، ما يدفعه إلى الاعتقاد بإمكانية النجاح في إخضاع خصومه، وحتى أصدقائه، باستخدام أدوات الحرب الاقتصادية. وقد مارس هذا النمط من الحرب، بدءاً من الصين وروسيا، وصولاً إلى إيران وسورية، اعتقد ترامب أن سياسة الضغوط القصوى تجاه إيران ستفضي آجلاً أو عاجلاً إلى القبول بـ«المطالب» الأميركية ولم يتحقق له ذلك، ترامب أغلق الحدود في وجه المهاجرين، معتمداً الغرور الانعزالي برفض ضمني لدور الولايات المتحدة في النظام الدولي.
الترامبية تعني أن القوة العسكرية تتيح له البلطجة، وفرض القرارات الجائرة، وتجاهل حقوق الشعوب والالتزامات الدولية. وأن الغلبة لشريعة الغاب التي يعتقد ترامب أنها لا تزال سائدة في العلاقات الدولية، مثلما هي سائدة في نوادي القمار والملاهي والفنادق المتخصص بإدارتها.
ترامب ساعد إسرائيل في تزوير التاريخ، وكان راعياً لجرائم الجلاد الإسرائيلي محاولاً شرعنة الاحتلال وإرهاب الدولة، سيُسجل التاريخ أن ترامب، دعم التنظيمات الإرهابية داعش وأخواتها بالتنسيق مع حلفائه في الشرق الأوسط، كما وقف مع إسرائيل التي تمارس العنصرية وإرهاب الدولة بأبشع مظاهره، لقد اتصف بالبله السياسيّ، وشجع العنف والتطرف، وشرّع الاحتلال، وسرق ثروات سورية من الطاقة والزراعة.
أيام معدودة ويرحل راعي البقر الأميركي الرئيس غير المأسوف عليه.