قضايا وآراء

بريطانيا وسياستها الخارجية في المنطقة بعد بريكست

| تحسين الحلبي

مع أول يوم من عام 2021 تصبح بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي لتبدأ بتنفيذ سياسة خارجية مستقلة عنه وبهدف الإسراع في تحقيق مصالحها واستعادة دورها في هذا العالم بموجب إستراتيجية يبين الباحث في مركز الدراسات الدولية والدبلوماسية في جامعة لندن نيك ويستكوت خلفياتها منذ القرن الماضي ويوضح مرتكزاتها الجديدة في القرن الجاري.
ويظهر ويستكوت أن بريطانيا أقامت سياستها الخارجية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 على ثلاثة مرتكزات هي:
تحالفها العابر للأطلسي.
الاندماج الاقتصادي الأوروبي منذ عام 1960 وعام 1973.
المحافظة على النظام العالمي بقيادة أميركا والاستفادة منه.
وفي عام 2021 بعد الخروج من الاتحاد لن يعود الاندماج الاقتصادي مع أوروبا قائماً، كما تعرض التحالف الأطلسي والنظام العالمي الأميركي الآن للزعزعة والشلل أمام حتمية ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب وبروز القوة الكبرى الروسية والصينية ودورهما المتعاظم.
إذن كيف ستعمل بريطانيا لحماية مصالحها وتوسيع هذه المصالح في عام 2021 في وضعها الراهن؟
يشير جدول بيان القوى الكبرى للعام 2020 ( فاير باور اينديكس 2020) أن بريطانيا تحتل المرتبة الثامنة من ناحية قوتها الحربية في سلم القوى الحربية بعد أميركا وروسيا والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا لكنها ما تزال قوة نووية ولها حق الفيتو في مجلس الأمن وتحتل المرتبة السادسة بين أكبر القوى الاقتصادية لكنها لم تعد قوة عالمية كما كانت في القرن الماضي.
ولذلك سيزداد اعتمادها على القوة الأميركية بشكل كبير لحماية مصالحها وسيجبرها ذلك على التخلي عن نسبة من استقلاليتها وعن نسبة من حصتها للولايات المتحدة حين يتحقق لها مصالح جديدة بفضل الدور الأميركي.
من المتوقع أن تعد بريطانيا خططاً حديثة لعلاقاتها مع مستعمراتها السابقة، فلديها دول الكومونويلث وهي شبكة تضم 53 دولة وسوف تسرع نحو دول الخليج بشكل خاص وملح لكي تعمل على زيادة مصالحها فيها بموافقة وتحالف مع الولايات المتحدة، وستفتح سجلات اتفاقاتها الاستعمارية التي يعود بعضها مع منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية إلى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، ورغم تنازلها عن جزء كبير من نفوذها في تلك المنطقة وبخاصة المملكة السعودية لصالح الولايات المتحدة بعد عام 1945 إلا أنها ما تزال تتمتع بموافقة أميركية على مصالح تجارية وسياسية أكثر من أي دولة أوروبية هناك.
أما بما يتعلق بمكاسب أو خسارة إسرائيل من خروج بريطانيا من الاتحاد فقد توقع يسرائيل بيرمانت المحاضر في جامعة تل أبيب وفي معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي قبل سنوات أن تخسر إسرائيل ما كان يتحقق لها من نفوذ كانت تلعبه بريطانيا داخل الاتحاد لمنع القرارات التي تلحق الضرر بالسياسة الإسرائيلية، وهذا يعني أن إسرائيل ستجد نفسها أمام تمايز وربما خلاف بين السياسة المشتركة لبريطانيا والولايات المتحدة تجاهها وبين سياسة الاتحاد الأوروبي الذي سيلجأ إلى التمايز عن سياسة الولايات المتحدة من أجل كسب مصالح في منطقة سيزداد التنافس فيها بين ثلاث كتل إحداها روسيا والصين والثانية واشنطن- لندن والثالثة الاتحاد الأوروبي. ولذلك يعتقد المحللون في أوروبا أن تتجه بريطانيا وأميركا إلى استنهاض الدور الوظيفي لإسرائيل في المنطقة وخاصة في مجال الاستخبارات والتجسس ولن يسمحا لها بأن تصبح شريكاً في مصالحهما في منطقة الخليج وربما هذا ما دفع نتنياهو إلى الإسراع في عقد اتفاقات ثنائية برعاية أميركية مع بعض دول الخليج التي أشرف ترامب على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، فربما أراد نتنياهو استباق القسمة البريطانية الأميركية للمصالح هناك بعد البريكست.
إن الدور الإسرائيلي مهما كانت وظيفته سيتقلص بموجب تحليلات الإسرائيليين أنفسهم حين تفرض بريطانيا وجودها ومصالحها وترعاها بقواتها وإشرافها في منطقة هي عينت ملوكها وأمراءها، وحددت لها سياساتها إلى أن ورثتها الولايات المتحدة بموجب نظرية تعبئة الفراغ بعد عام 1957 وتراجع القوة البريطانية بعد هزيمة العدوان الثلاثي البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي على مصر عام 1956.
لكن هذه المهمة البريطانية – الأميركية والإسرائيلية لن تكون سهلة في هذه الظروف التي تشكلت فيها قوة إقليمية ربما أصبحت الأكبر من نواح متعددة، وهي محور إيران سورية والمقاومة اللبنانية الذي يمتد من مركز المصالح البريطانية في الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط ويدعمها قطبان عالميان هما روسيا والصين في مواجهة مع بريطانيا والولايات المتحدة بعد أن تراجعت نسبياً قدراتهما، وكذلك قدرة إسرائيل أمام تزايد مجموع قدرات محور المقاومة وحليفيه الروسي والصيني وربما سيشكل هذا الوضع أهم مواضيع جدول عمل المنطقة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن