ثقافة وفن

سنودّع عام 2020 متمسّكين بالآمال وبالامتنان

| سوسن صيداوي

رأس السنة الميلادية هذه المرة مختلف تماماً، فهذا العيد لم تشهد البشرية مثله من قبل، هذا ومعظم بلدان العالم أغلقت حدودها منعاً للسفر إليها، الجائحة انتشرت في هذه الأيام بشكل أكبر لتدعو الجميع لالتزام البيوت، فالساحات لن تعمّ هذا العيد بالاحتفالات، ولا أدري إن كان هناك مفرقعات نارية، أو زينة وموسيقا تنطلق عند العد التنازلي للعام القديم وفي استقبال العام الجديد، الاحتفالات مقتصرة على المنازل وضمن أعداد محددة، وفي بعض دول العالم المخالفة لوجود عدد أكبر من المحدد في المنازل، تتجاوز آلاف الدولارات.
إذاً كيف ستكون حال المعمورة هذه السنة؟، شكلها مختلف نعم، فالسكون والصمت هو السيد. ولكن هيا بنا معاً كلّنا لنجعل بيوتنا دافئة ومزينة، ولتعلو ضحكات أسرنا وأطفالنا، مستقبلين العام الجديد.

هل من امتنان؟

أيام قليلة تفصلنا عن العام الجديد 2021، ونحن نودع في الوقت ذاته العام 2020، كثيرون يقفون مع أنفسهم ويفكرون ويتمنون، وآخرون يراجعون أنفسهم بما حققوه في حياتهم وماذا أنجزوا من أحلام وطموحات، مع الكثير من الأمنيات لتحقيق ما لم نستطع تحقيقه في العام الذي سبقه. لكن اليوم وفي ظل كل الضغوطات المحلية والتي ما زلنا نعيش تداعياتها بسبب الأزمة السورية، ومن ثم العالمية بانتشار كوفيد 19، كيف الأفكار وما الأمنيات وهل هناك من امتنان لما هو متاح لنا من أمور حتى لو كانت بسيطة بالنسبة لنا ولكنها في غاية الأهمية بالنسبة للآخرين؟ فمن عانى من فقد عزيز، أو انحدار في الصحة، أو ضيق في الحصول على الموارد المالية، أو خسر عملاً….. إلخ. أمور سلبية كثيرة ومعاناة تلو المعاناة، ولكن يجب ألا نبقى في الجانب المظلم من الموضوع، بل يجب أن ننظر إلى نصف الكأس الممتلئ، وأن نكون ممتنين لو لخمسة أمور موجودة بحياتنا حتى ولو كانت لا تعنينا شيئاً، لأنها كما أسلفت تعني للآخرين الكثير.

خليك بالبيت

مع تفشي جائحة فيروس كورونا وتماشياً مع قرارات الفريق الحكومي، فإن عموم السوريين قرروا البقاء في منازلهم لاستقبال السنة الجديدة مع العائلة، ممتنعين عن الخروج للاحتفال برأس السنة، هذا تغاضياً عن الوضع الاقتصادي الخانق، ولكن هذا الأمر دفع الكثير للمحافظة على الأمل والتفاؤل بوضع خطط ممتعة وتنشر الهناء بين أفراد العائلة، فمثلاً رواد (ع) هو طالب بجامعة دمشق فرع الهندسة المعمارية، قال بأنه اقترح على والدته أن تقدم لهم في هذه الليلة عشاء مميزاً، ومختلفاً تماماً عما اعتادوا تناوله، مشيراً إلى أنه سيساعدها مستفيداً من اليوتيوب بتحضير الوصفات، كما أضاف رواد العيد: «هذه السنة بالفعل قاسٍية، ولا حول لنا ولا قوة، إلا أن نكتفي بالمتاح وأن نُسعد أنفسنا بأبسط الأمور، لهذا سأسعى كل جهدي لتغيير المناخ الروتيني المعتاد بالمنزل، حتى إنني اتفقت مع والدتي بأن نعيد ترتيب الأثاث بغياب أبي وأخواتي، أنا واثق بأنني سأنجح في كل الخطط التي سننفذها ليلة رأس السنة، من ترتيب الأثاث وتحضير المائدة والألعاب المسلية التي حضرتها مع الأغاني والموسيقا، وفي النهاية أتمنى للجميع عاماً سعيداً مختلفاً تماماً عن العام الماضي».
من جانبها رانية منصور وهي طالبة في كلية الحقوق قالت بأنها تهوى الطبخ، وهم من عاداتهم استقبال العام الجديد في المنزل، ولن يتغير شيء، سوى أن المائدة لهذا العام ليست غنية ومتنوعة بسبب الضيق الاقتصادي وغلاء الأسعار، لتتابع رانية: «ستغيب هذا العام عن المائدة أصناف كثيرة كانت والدتي تقدمها خصيصاً في هذا اليوم، ولكن اتفقت أنا وأخي أن نحضر أنواعاً ممكن الحصول عليها والكل يحبها ولو أنها مختلفة، أتمنى أن أكون مصيبة بالاختيار وبأن التغيير سيلاقي القبول، وبالطبع سيكون في المنزل الأغاني بصوت عال وسيكثر الرقص، فنحن معتادون على استقبال العام الجديد في المنزل».

حفلة منزلية ممتازة

الروتين ممل والظروف قاسية، ولكن الإبداع في خلق ظروف مسلية هو أمر بصراحة قلّة من مواطنينا السوريين معتادون عليها، ولكن للأمانة يمكن لمسها عند الجيل الشاب، المطلع على الثقافات الجديدة، وهذا ما أشارت إليه هيام (ت) وهي طالبة في كلية الفنون الجميلة، محدثة إيانا عما ستفعله هي وصديقاتها البنات اللواتي سيحتفلن بالعيد في منزل هيام، لتقول: «الأمور أصبحت معقدة جداً على الشعب السوري، ولكنني أؤمن بخلق الظروف المختلفة والتمتع بالمناسبة رغم الصعوبات، بمعنى قررنا أنا وصديقاتي بأن نرتدي ملابس مختلفة، وكأننا سنسهر في حفلة تنكرية، وبالطبع أبي وأمي رحبا بالفكرة وحتى والدي قرر أن يرتدي عباءة جدي رحمه الله، ووالدتي لم تقرر بعد ما سترتدي ولكنها مع الفريق، وبالنسبة للمائدة سيكون العشاء لذيذاً ومتنوعاً جداً بالوجبات الخفيفة، وغني بالخضراوات أكثر من اللحومات، وطلبت من والدتي أن تقدمه بطقم المناسبات السارة، وطبعاً قمت بتزيين المنزل بالبالونات والشموع، ووضعت قائمة بالأغاني التي نحبها، وأنا واثقة بأننا سنقضي وقتاً ممتعاً».

أمنية الوطـن

نعم الخسارات متكررة، نعم لقد ضاق الحال، وكأنّ الأفق مسدود أمام الوجوه، ولكن أمام كل الأحزان، لنشعل شمعة في قلوبنا، لتزيح ثقل السواد في صدورنا، ولنتنفس الصعداء، لأن دوام الحال من المحال، ولابدّ أن تنجلي الغمامة قريباً، والقادم أفضل بوجودكم سالمين صحة وعقلاً ونفساً، لنشعل شمعة قلوبنا لنستقبل عاماً جديداً متمسكين بالأمل الذي به تحلو الحياة، وكل عام وأنتم الوطـن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن