ثقافة وفن

في وداع عام مضى.. وعلى عتبات عام قادم

| إسماعيل مروة

لا يدري المرء في هذا اليوم ما يفعل!
هل يودعُ عمراً وأعماراً متطاولة
أم يودع عاماً واحداً بأيامه المعدودة؟!
إنه العام الذي ابتلع أيامه وحده
العام الذي أجهض الأحلام الوردية
قصّ أجنحة العصافير والحمائم
منعها من الطيران بعيداً
العام الذي أوقف رحلتي الشتاء والصيف
لا قريش تتاجر إلى الشام وتدخل من أذرعات
ولا تقصد اليمن لتبيع وتشتري
ولم تجتمع العرب في عكاظ لإنشاد الشعر
ولم يتبادلوا في بطحاء مكة البضائع!
عام بدأ فاغراً فاه دون رحمة
أراد الفاقة للناس وللشام أكثر
رآها مثخنة بالجراح وأراد أن يجهز عليها
وجد إنسانها يلوب على طفله فسلبه علبة الحليب
كان السوري يبحث عن محطة هادئة
خلع المظلة والمحطة وتركه في العراء
يا له من عام وليس كالأعوام
تطاول وتطاول
من حقنا أن نفرح برحيله
من حقنا أن نصنع الزينات
أن نرقص حتى ساعات الفجر الأولى
على النور القوي
على النور الضعيف
على الشموع الذابلة
في العتمة يمكن أن نرقص فرحاً لرحيله
عام الطاعون
عام الكوليرا
عام لا تخرج فيه ولا تدخل
عام العزلة والحرب والدمار
وأي حرب أقوى من أن تخرج من حرب لحرب؟
من حرب تعرفها إلى حرب تجهلها؟
لم تقدر السنوات التسع أن تفرض جوعاً
لم تقدر أن تفرض عزلة
لم تبعد من يحب عمن يحب
تحت القذائف ولدت قصص الحب
تحت الدمار ولد أطفال الغد
بين الدم مشى المسنّون يودعون أحبابهم
لم يقدر شيء على الحب
وحده هذا العام فعل فعله
ابتلع الأحلام في أيامه
أخذ الأحلام في دقائقه
استلّ منا أحبابنا
سلب أرواح كبارنا وشبابنا
صرنا نودع بلا وداع
ونشيع بلا تشييع
وحده العام جعلنا نودع أحبابنا بلا قبلة وداع!
جعلنا نرتجف من لمس من نحب
جعلنا نسأل عن دورنا
صار الدمع جمراً في المآقي
صار الموت عدداً
والقلب لم يعد يبكي لراحل
لا أسف على هذا الذي يرحل
ابتلع كل شيء، وفي سورية ضاعف
ابتلعهم في الداخل والخارج
قتلهم جماعات وفرادى
قتل آمالنا وزاد آلامنا
لم يعرف لحظة من رحمة أو سكون
لم يهدأ عن سلب كل شيء
يا لهذا العام الراحل اللئيم
زرع فينا ما لم تزرعه الحروب
زرع فينا الخوف
الخوف من الآخر
الخوف من الحبيب والقريب
الخوف من الذات
ولم ندرِ أنه فعل المعجزة
زرع الخوف
ووحده الخوف يقتل
الخوف يقتل حامله بصمت.. بصخب
بأي شكل كان يقتل
يقتله شاباً
يقتله شيخاً
يقتله طفلاً
زرع في كثيرين الكفر بالحياة والأوطان
زرع الأنانية مع الخوف
حوّل كل شيء في شهور
ما عساه القادم يفعل؟!
هبه كان مثله.. لم يكن الأول
هبه كان أقسى
سيحصد ما زرعه الخوف فينا
نقرأ أسماء الراحلين الأحبة
نقرأ عناوين الصحف
نسمع مقدمات نشرات الأخبار
جميعها صمت
موت وموات
يا له من عام صنع الخوف
بذر فينا بذرة الموت السرطانية
ترهلت أعمارنا في عام
تبخرت أحلامنا في عام
اضمحلت أوطاننا في عام
تضاءلت المسافات الشاسعة
وتحوّلنا إلى أصفار لا قيمة لها
وتحول الإنسان وجهد الإنسان إلى هباء
انتصر اثنان الخوف والموت
وهزم اثنان الوطن والإنسان
وتحولت الحياة إلى أصفاد

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن