عادت المصادفة من جديد لتجعل آخر يوم في العام هو يوم زاويتي الأسبوعية. كنت ولا أزال أحاول الهروب من هذه المصادفة لأنني أريد الهروب كما العام الماضي من السؤال الجوهري.. ما أمنياتك؟
أمنياتنا في هذا الشرق البائس صغيرة، قلت في نفسي ماذا لو أرسلت المادة ذاتها التي تم نشرها نهاية العام الماضي؟ لن يختلف الأمر فالوجع ذاته، أعدت قراءتها لكني وبشكل سريع قلت لا فهذا عمل جبان، وما دفعني بتسميته بـ«الجبان» ليس فقط صحوة الضمير، لكن لأن المادة كانت تحمل قليلاً من التفاؤل، مَنْ هذا الذي يستطيع الكتابة عن التفاؤل من جديد؟ بعد أن أغلق هذا العام على كوارث أقلّها كورونا المستعر، حتى الأمنية الوحيدة التي تمنيتها كعلاج لمشكلات هذا الشرق وهي نضوب النفط منه، تدمرت فتحول النفط لزجاجات عطر يقتنيها من يريد أن يذهب عنه رائحة التطبيع القميئة!
مع الأسف أصبحنا في حال حتى المصطلحات بتنا دقيقين في اختيارها، هل يستطيع أحد اليوم أن يعايد الناس بعبارة «ينعاد عليكم»؟ قلت في نفسي ليس هناك من حلّ سوى الدعوة لصلاة استكسار، فنكسر عشية اليوم ما تيسر من جرار خلف هذه السنة كي لا يعود عبقها فنرتاح، لكني لا أؤمن بهذه الخزعبلات، ثم هل ينقصنا تكسير في هذا البلد والقلوب أساساً مكسورة ومحطمة.
هنا أدركت بأنه ليس هناك أفضل من العودة إلى الماضي الجميل عساه ينجدني في تحديد أمنياتي، أغمضت عيني وعدت بالذاكرة إلى مرابع طفولتي، عدت لأسمع أصوات قرع الأجراس في كنائس الحي عشية رأس السنة، تصوروا أن بعض المحلات كانت تكتب «لا يوجد فتاش» ماذا أقول لهم اليوم؟ فإن كان الفتاش جريمة العصر فإن فشة القهر اليوم قد تجعل صاحبها يلقي بقنابل! عن ماذا أبحث في تلك الذاكرة، فالزوبعة التي كنا نشعلها لتذهب عالياً في السماء وهي تحمل الألوان باتت زوابع، حتى الصواريخ الصوتية التي كنا نفرح بشرائها استبدلت بتصريحات عقيمة يطلقها بعض المسؤولين تتعلق بقوت المواطن؟ استيقظت سريعاً من غفوتي، لم أعد أطيق العودة إلى الذاكرة وإلى هذا الزمن الجميل.
هنا قلت في نفسي لماذا لا أعدّل موضوع المادة؟ لست ملزماً بالكتابة عن الأمنيات، حاولت الاستشهاد بقول حكيم لكن مهلاً هل كان هذا الحكيم قبل أن يصبح حكيماً يجلس ويتابع ما حوله من دمار وخراب، أو يقف بطوابير الخبز والمازوت؟ الجواب حكماً لا، إذاً هو ليس حكيماً وكلامه لا يعتدّ به.
قلت سأستشهد بمقولة لأحد الزّهّاد، لكن مهلاً من هذا الزاهد؟ هل كان يقدّم العقل على النقل في زهده أم إنه كزهّاد هذه الأيام يركب أحدث السيارات ويحمل أحدث الهواتف ليخطب في الناس عن جدوى الصبر على الملذات، والجهاد في سبيل الله؟
هنا توقفت للحظة، لعلي وجدتها، ليس على طريقة نيوتن ولا أرخميدس، لكن على طريقة كاتب أضاع منه هذا العام اللعين كل الكلمات، ألا يوحي لنا الجهاد بأمر ما، أليس هناك فعلياً من جهاد لا علاقة له بتحريفات الذبح والقتل على الهوية يبدأ بالكلمة الحسنى وينتهي بالدفاع عن الوطن؟ أليس هناك من مارس فعلياً هذا الجهاد بالقول والفعل، فنستطيع الاستشهاد بحركاته وسكناته وأقواله دونما خوف أو وجل، لأنه عندما اختار طريق الجهاد الحق، وجعل من نفسه جسراً لعبور الوطن لم يطلب شيئاً من أحد؟ نعم، وبكل ثقة أستطيع القول الآن: أمنياتي لعام 2021 أن يبقى الكلام والخطاب والفصل.. للجيش العربي السوري. عندها ستصبح باقي الأمنيات مجرد تفاصيل.
كل عام وسورية بجيشها وشعبها وقائدها بألف خير والرحمة للشهداء.