ثقافة وفن

اليوم العالمي للاحتفاء بلغة «بريل» … أكثر من 39 مليون شخص يحتاجون هذه اللغة

| وائل العدس

يعد يوم الرابع من كانون الثاني اليوم العالمي للاحتفاء بلغة بريل من كل عام، بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والمعتمد في تشرين الثاني 2018، لإذكاء الوعي بأهميتها بوصفها وسيلة للتواصل في الأعمال الكاملة لحقوق الإنسان للمكفوفين وضعاف البصر.
ولغة بريل هي عرض للرموز الأبجدية والرقمية باستخدام ست نقاط يمكن تحسسها باللمس لتمثيل كل حرف، بما في ذلك رموز الموسيقا والرياضيات والعلوم.
ويستخدم المكفوفون وضعاف البصر لغة بريل لقراءة الكتب والنشرات الدورية المطبوعة بالخط المرئي، ما يكفل لهم الحصول على المعلومات المهمة، وهو ما يُعد مؤشراً على الكفاءة والاستقلال والمساواة.
وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من مليار شخص يعانون شكلاً من أشكال إعاقة الرؤية، وهناك أكثر من 39 مليون شخص مصابون بالعمى، و253 مليون شخص يعانون من ضعف في الرؤية.

سر التسمية

لماذا أشعر أن كل شيء مظلم؟ بهذه الكلمات كان يحرج المخترع الفرنسي لويس بريل، أبويه وأخوته عندما كان طفلاً غير مدرك بأنه فقد بصره، لكن وعلى الرغم من السواد الذي كان يحيط به من كل الجوانب، أكمل حياته بعزيمة وإصرار الأبطال، ليخلده التاريخ بفضل ابتكاره لغة بريل، العين التي مكنت المكفوفين من الإبصار وإكمال تعليمهم وحياتهم بشكل طبيعي أسوة بغيرهم في كل أنحاء العالم.

ولد بريل في مدينة كوبفراي شرق العاصمة الفرنسية باريس يوم 4 كانون الثاني 1809، وعندما كان طفلاً في الثالثة من عمره فقد البصر بإحدى عينيه، بسبب اصطدام أداة حادة فيها، في حين كان يتعلم في ورشة والده لصناعة الجلود. حاول الأطباء إنقاذ عينه إلا أنهم لم ينجحوا، وبعد سنتين من الحادثة، فقد البصر في عينة الثانية بسبب إصابتها بالرمد التعاطفي وهو نوع من الالتهابات يحدث بعد إصابة إحدى العينين بكدمة قوية، وبالرغم من ذلك أكمل حياته وبدأ يتعلم السير على طرقات مدينته الصغيرة بفضل العصا التي صممها والده.
ذهب إلى مدرسة المدينة مستمعاً فقط حتى العاشرة من عمره، وبسب ذكائه الشديد، أرسل لإكمال دراسته في المعهد الوطني للشباب المكفوفين في باريس، وهناك أظهر تفوقاً وأحدث ثورة بابتكاره نظام كتابة بريل، مستفيداً من شيفرة تدعى «الكتابة الليلية» ابتكرها ضابط في الجيش الفرنسي لقراءة الرسائل الحربية، يستطيع من خلالها الجنود التخاطب فيما بينهم في الأمور السرية من دون الحاجة للكلام أو استخدام الضوء لمشاهدة نصها، وكانت هذه الشيفرة تعمل بأن تبرز على ورق سميك أشكالاً من النقاط أقصاها اثنتا عشرة نقطة، لكل منها دلالة كلامية.
في البداية واجه بريل صعوبة في فهم تلك الشيفرة فقام بتخفيض العدد الأقصى للنقاط من 12 إلى 6، وبدأ بالعمل على اختراع طريقة كتابة جديدة، وانتهى منها وهو لم يتجاوز 15 من عمره، وقدمها لأول مرة لأصدقائه في المعهد في عام 1924.
طريقة بريل نشرت عام 1839، ولم تُستخدم رسمياً إلا بعد وفاة صاحبها بـ14 عاماً في فرنسا. واستخدمتها بريطانيا بعد مرور 30 عاماً على ابتكارها، ولم تستخدم الولايات المتحدة هي الأخرى هذه الطريقة إلا بعد مرور 21 عاماً على اختراعها.
أما كتابة بريل في اللغة العربية فقد دخلت على يد محمد الأنسي في منتصف القرن التاسع عشر حيث حاول التوفيق بين أشكال الحروف المستخدمة في الكتابة العادية وشكلها في الكتابة النافرة.
وبهذه الطريقة نقل الأنسي عدداً من الكتب إلا أن هذه الطريقة لم تنتشر على نطاق واسع وبعد بذل محاولات عديدة اعتمد المهتمون طريقة بريل لتطوير ما يتناسب واللغة العربية.

أسبقية عربية

ذهب البعض لاعتبار العربي زين الدين الآمدي المولود في القرن الثالث عشر في العراق، سابقاً لبريل في تعليم القراءة لغير المبصرين؛ لكونه أول من ابتكر حروفاً بارزة تساعدهم على القراءة.
وقد أصيب بالعمى؛ فلم يستسلم فسعى للعلم والتجارة وكان مهندساً وفقيهاً. وفي سبيل بحثه عن المعرفة التي تساعده ومن خلال عمله في بيع الكتب، كان يأخذ قطعة من الورق الخفيف ويقوم بفتلها بطريقة معينة ثم على هيئة حرف أو أكثر من حروف الهجاء؛ ليحدد بها سعر الكتاب. وطور قدرته حتى أنه كان يستطيع أن يحدد نوع الخط وإذا ما كان لكاتب واحد أو أكثر مهما تعددت أنواع الخطوط، كما كانت له القدرة على تحديد لون الحبر المكتوب به.

أسس كتابة بريل

تقوم كتابة بريل في الأساس على ست نقاط أساسية، ثلاث على اليمين وثلاث على اليسار، ومن هذه النقاط الست تتشكل جميع الأحرف والاختصارات والرموز.
ومع دخول الكمبيوتر إلى عالمنا دخل نظام الثماني نقاط في نظام الكمبيوتر؛ ليعطي مجالاً لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الإشارات والرموز؛ ولكن هذا النظام ظلّ مستخدما فقط في الكمبيوتر، ولم يوسع ليستعمل في غيره.
وقد قامت منظمة التربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» التابعة لهيئة الأمم المتحدة عام 1951 بتوحيد الكتابة النافرة؛ بقدر ما تسمح به أوجه الشبه بين الأصوات المشتركة في اللغات المختلفة، ونتج عن هذه الحركة النظام الحالي للرموز العربية.
وتقوم كتابة بريل في الأساس على 6 نقاط أساسية 3 على اليمين و3 على اليسار، ومن هذه النقاط الست تتشكل جميع الأحرف والاختصارات والرموز، وقد استفاد المختصون بطريقة بريل باللغة العربية من بحوث الدول العربية المتقدمة في هذا المجال من حيث جعل الكتابة البارزة سهلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن