قضايا وآراء

وكأن الدم العراقي بلا قيمة

| أحمد ضيف الله

أخطر منظمة سرية في العالم، قوامها مرتزقة مهووسون بالقتل، يهددون مصائر دول وشعوب، تدعمهم أياد نافذة في غرف صنع القرار الأميركي، هي أوسع منشأة أمنية خاصة في العالم دربت عشرات الآلاف من رجال أمن اتحاديين وقوات خاصة أميركيين، وعناصر خارجية غير أميركية، هذه هي «بلاك ووتر»، الشركة الأمنية الأميركية التي دخلت العراق عند احتلاله عام 2003 تحت غطاء حماية المسؤولين!
في الـ17 من أيلول 2007، وفي وضح النهار، وفيما كانت قافلة «بلاك ووتر» مدججة بالسلاح تمر بساحة النسور في بغداد، وبشكل مفاجئ، قام عناصر من القافلة بإطلاق نيران المدافع الرشاشة وقاذفات القنابل والقناصات على السيارات والمدنيين في الساحة، من دون أي سبب، ومن دون أن يكون هناك أي عملية استهداف أو تهديد لرتل الشركة الأمنية، ما تسبب في مقتل 17 شخصاً بينهم نساء وأطفال وطلاب، إضافة إلى إصابة 20 آخرين.
وبينما أعلنت وزارة الداخلية العراقية إلغاء ترخيص شركة «بلاك ووتر» الأمنية، تقدمت أسر الضحايا العراقيين بدعوى قضائية بحق الشركة في محكمة أميركية في تشرين الأول من العام ذاته.
في كانون الأول 2008، وجهت محكمة فدرالية أميركية تهمة القتل غير المتعمد! لعدد من حراس شركة بلاك ووتر، إلا أن القاضي الأميركي ريكاردو أوروبينا رفض في الـ31 كانون الأول عام 2009 جميع التهم الموجهة إليهم لكون القضية «بنيت بشكل غير صحيح» ولتمتع حراس الشركة بالحصانة! ما أدى إلى موجة غضب شعبي عراقي، وانتقادات لاذعة وجهها رئيس الوزراء نوري المالكي لسير المحاكمة والعدالة الأميركية.
في نيسان 2011 أعادت محكمة الاستئناف الاتحادية الأميركية النظر في القضية مجدداً في جلسات سرية ومغلقة! وفي الـ13 نيسان 2015، صدر حكم بالسجن المؤبد مدى الحياة بحق الحارس الأمني نيكولاس سلاتن الذي كان أول من بدأ إطلاق النار، وعلى ثلاثة حراس آخرين، هم: بول سلوغ وإيفان ليبرتي وداستن هير بالسجن 30 عاماً.
شركة «بلاك ووتر» التي تشغل مساحة 24 كيلواً متراً مربعاً في ولاية كارولاينا الشمالية، والمُكلفة من الإدارات الأميركية تنفيذ كل العمليات الإجرامية القذرة كالاغتيالات في الخارج، وإثر الاستنكار العالمي من هول جريمة ساحة النسور، أنشأت شبكة من ثلاثين شركة وهمية للحصول على عقود الخدمات من الحكومة الأميركية بمليارات الدولارات، وغيرت اسمها إلى شركة «Xe للخدمات» عام 2009، ثم بدلت اسمها إلى «أكاديمي» منذ عام 2011. وهذه المنظومة الإجرامية استخدمها حكام المحميات الخليجية في تنفيذ مهام أمنية خاصة، كان منها استعانة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بها في تثبيت انقلابه على محمد بن نايف بن عبد العزيز آل ـسعود ولي العهد السابق الذي كان قد أعفي من منصبه في الـ21 من حزيران 2017.
وتعليقاً على تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الـ6 من كانون الثاني 2019 بسحب قواته من سورية، قال مؤسس شركة «بلاك ووتر» الأميركية والمدير التنفيذي السابق لها ريك برنس، خلال مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» في الـ17 من كانون الثاني 2019: إن «متعهدينا قد يحمون حلفاء الولايات المتحدة ويتصدون للنفوذ الإيراني بعد مغادرة الولايات المتحدة سورية»، مشيراً إلى «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، على حين تبين المؤشرات أن أعمال نهب وسرقة النفط السوري من حقول نفط رميلان والجبسة وعمر تقوم بها الشركات المتولدة من «بلاك ووتر».
إن الاستهانة الأولى بالدم العراقي، كانت في الـ11 من أيلول 2019 عندما أعلنت السلطات القضائية الأميركية في بيان لها، أنها خفضت أحكام السجن السابقة بحق الحراس الثلاثة لتصبح كالتالي: بول سلوغ 15 عاماً، إيفان ليبرتي 14 عاماً، وداستن هير 12 عاماً، ثم جاءت الاستهانة الثانية والاستهتار بحياة الأبرياء وقيم العدل الإنسانية، عندما أصدر الرئيس الأميركي في الـ22 كانون الأول 2020، عفواً رئاسياً عن الحراس الأمنيين، ليقول للعراقيين أولاً وللعرب عامة: إن أرواحكم ودماءكم لا قيمة لها عندنا.
وزارة الخارجية العراقية قالت في بيان لها: إنها ترى «أنَّ هذا القرار لم يأخذ في الحسبان خطورةِ الجريمة المرتكبة ولا ينسجم مع التزام الإدارة الأميركية المُعلن بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون، ويتجاهل بشكل مؤسف كرامة الضحايا ومشاعر وحقوق ذويهم».
إن قرار ترمب بالعفو عن قتلة متوحشين، هو انتهاك للعدالة ولحقوق الضحايا ومشاعر ذويهم، وهو أنموذج لكل الإدارات الأميركية في عدم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومبادئ العدالة وقواعدها، كما أنه إهانة واستهانة بدماء ومشاعر العراقيين، فهل بقي بعد كل ذلك من أحمق يتحدث عن أن أميركا هي بلد العدالة وحقوق الإنسان؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن