قضايا وآراء

معضلة ودوامة عوامل ضعف جبهة إسرائيل الداخلية

| تحسين الحلبي

تحت عنوان: «هل حظيت إسرائيل بالأمن والسلامة في عام 2020؟» عرض المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» يوآف زيتون في 31 كانون الأول الماضي جزءاً من سجل عام 2020 وما قام به الجيش الإسرائيلي من نشاطات وعمليات في الأراضي المحتلة جاء فيه أن جيش الاحتلال واجه في العام الماضي 1500 عملية لمجموعات ألقت الحجارة على القوات والمستوطنين، على حين كان عدد هذه العمليات 1496 في عام 2019 وألقيت على قواته والمستوطنين في العام نفسه 229 قنبلة مولوتوف وجرت 31 عملية تبادل نيران وصادر 541 سلاحاً نارياً من الفلسطينيين و330 سكيناً واستخدم سفن القوات البحرية على ساحل فلسطين المحتلة من الناقورة حتى قطاع غزة لمدة 87336 ساعة استطلاع ورصد وعمليات، و12356 ساعة للقوارب الصاروخية، وأجرى فحوصات لأكثر من 236 ألفا من الجنود للاشتباه في الإصابة بفايروس كورونا وحجر عشرات الآلاف منهم واستدعى 3000 من قوات الاحتياط.
أمام هذه الأرقام التي لا تعد في معظم الاحتمالات أكثر من 40 بالمئة ما يمكن للرقيب العسكري السماح بنشره يستخلص المرء أن عام 2020 وما قبله من أعوام جعل المستوطنين في هذا الكيان الإسرائيلي وكأنهم يعيشون في ثكنة حربية متقدمة لا يتوقفون فيها عن الشعور بأنهم محاطون بالأعداء من كل مكان من الشمال الذي تشكله جبهة سورية والجنوب اللبناني التي يقول تقرير المراسل العسكري الإسرائيلي إن كل الغارات الجوية التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخها لم تؤد إلى إيقاف عملية تزايد القدرات العسكرية لجبهة الشمال وهذه حقيقة يؤكدها استمرار تصدي الجيش العربي السوري لكل هذه الغارات التي لا تستغرق سوى دقائق قليلة ويحبط أهدافها.
إن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان فرض على إسرائيل مواجهة عدد من الجبهات التي لم تتوقف منذ عدوان 1967 عن الاشتباك معها طوال أكثر من خمسين عاماً سواء داخل الأراضي المحتلة أو عبر حدود سورية وجنوب لبنان، وأصبح عدد السكان الفلسطينيين في داخل الأراضي المحتلة يزيد على عدد المستوطنين الإسرائيليين إضافة إلى جبهة قطاع غزة المسلحة بصواريخ مؤثرة وفعالة وهذا ما يفرض انعدام الأمن والسلامة طوال أكثر من خمسين عاماً ويؤدي إلى عدد من العوامل التي تجعل اليهودي الآمن هو الذي يمتنع عن الهجرة إلى إسرائيل فيتناقص عدد القوى البشرية إليها كما أن ذلك يؤدي إلى هجرة معاكسة تجعل جيش الاحتلال يفقد عدداً من قوى الاحتياط، علماً أن المتدينين السلفيين اليهود مازالوا يتمتعون بقانون عدم الخدمة الذي يمنح للمنتسبين للمدارس الدينية المتخصصة بالتوراة والتلمود والخدمات الدينية.
بالمقابل تحاول القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إخفاء المظاهر الموضوعية للضعف الذي يعتري جيشها بالمبالغة في استعراض قوته العسكرية وأشكال عدوانه التكتيكي بين فترة وأخرى على بعض الأماكن السورية وعلى قطاع غزة دون أن يسبب هذا العدوان الممنهج أي نتائج تؤثر في الحجم المناسب للرد عليه في الجبهتين.
ومنذ استهداف سورية بالحرب الإرهابية الكونية عليها، لم تستطع إسرائيل بكل ما بذلته من جهود وما نفذته من تدخل عسكري مباشر وغير مباشر ضد الجيش العربي السوري والأراضي السورية، تحقيق أهدافها بل إن الانتصارات السورية التي حققها الجيش العربي السوري زادت من قوة الجيش السوري وتصميمه المتواصل من أجل زيادة قدرة الردع التي يتمتع بها ضد إسرائيل في هذه الظروف.
إن سورية قادرة على حشد أكبر قوة عسكرية مسلحة ضد الجيش الإسرائيلي وهي تتمتع بحلفاء من المقاومة اللبنانية والفلسطينية قادرين على شن القتال المباشر ضد الجيش الإسرائيلي في عدة جبهات، على حين أن هذا الجيش لا يستطيع إلا اللجوء إلى الاستخدام المباشر لقوته البشرية على الرغم من كل الدعم والإسناد الحربي الذي تقدمه له الولايات المتحدة. وهذا ما اعترف به عدد من القادة العسكريين ومراكز الأبحاث الإسرائيلية حين أكدوا أن الجيش الإسرائيلي لا يفضل أبداً أن تطول أي حرب يخوضها لأنها تستنزفه من النواحي كافة حتى لو كان هو الذي يسيطر في إدارة القتال، كما أنه لم يستطع حتى الآن تأمين ملاجئ تستوعب النسبة المطلوبة من عدد السكان لضمان حمايتهم في الجبهة الداخلية كما اعترف في الوقت نفسه عدد من القادة الإسرائيليين في مناسبات كثيرة أن جيشهم لم يستطع طوال السنوات الماضية منع تساقط الصواريخ على جبهته الداخلية من الجنوب ولا من الشمال وهي المعضلة والدوامة التي لم يتمكن من إيجاد حل نهائي وحاسم لها وما زال الوقت لا يعمل لمصلحة حلها ولا لمصلحة حروبه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن