ثقافة وفن

رحيل الموسيقار إلياس يطوي صفحة الرعيل الأول من الرحابنة

| سوسن صيداوي

ودود الطلّة، ظريف النكتة، حضوره مستحبّ من الجمهور في إطلالاته الإعلامية والتلفزيونية البرامجية المميزة. عطاؤه متجدد بروح نبض الشباب، لا حدود ثقافية أو بشرية في موسيقاه طالما هي لغة العالم، ولكن وللأسف ذاكرته بسبب الزهايمر اللعين، ألزمته الابتعاد والالتزام بقاء بالمنزل منذ نحو عامين، غير متذكر أحد سوى وجه شريكة عمره نينا خليل، ليرحل عنا إلياس الرحباني بعدما أصيب وزوجته بفيروس كورونا، مستسلماً للعارض الصحي المفاجئ في مرحلة مواجهته للفيروس، وما لبث أن فارق الحياة يوم الإثنين بعدما خانت ذاكرته زمانه اللامع الذي قضاه مبدعاً ورافداً من عائلة موسيقية عريقة، ولكننا لن نسمح لذاكرتنا أن تخون ذكراه بعدما فارقنا ثالث أركان الموسيقا الرحبانية إلياس الرحباني، الشقيق الأصغر للأخوين رحباني رحل عن عمر يناهز 83 عاماً، تاركاً إرثاً رحبانياً موسيقياً متنوعاً ما بين التلحين والتوزيع، بين الشعر وكتابة الأغاني، وتأليف أكثر من 2500 لحن وأغنية ومعزوفة ومنها ما قاده أوركستراليا ومن المشوار الطويل نقطف لكم بضع محطات.

في اللحن نغم

حياة إلياس الرحباني لم تكن روتينية المسار، حيث شهد عام 1962 تحولات وتنقلات، وخصوصاً أن الموسيقار، بدأ حينذاك بالخروج إلى عالم الاحتراف الحقيقي، وراح يتعاون مع مغنّين معروفين، بعضهم ينتمي إلى مدرسة الأخوين، ومنهم المطرب الكبير نصري شمس الدين، الذي لحن له أغنية «ما أحلاها».
وأيضاً قدم ألحاناً لفيروز، صباح، وديع الصافي، ملحم بركات، وجوليا بطرس وباسكال صقر وغيرهم.
وتجدر الإشارة بأنه قدم العديد من الألحان لماجدة الرومي، ولكن أغنية «عم احلمك يا لبنان» من شعر سعيد عقل، كادت أن تتحول إلى ما يشبه نشيداً لبنانياً يردده الكثيرون.

فيروز والرحابنة أخوته

يصغر إلياس شقيقه عاصي بـ15 سنة وشقيقه منصور بـ17 سنة، وهو كان بنظرهما الشقيق الصغير، المتأخر عن مشروعهما الموسيقي الذي بدأاه معاً، لكنهما ساعداه في دراسة العلوم الموسيقية وكانا إلى جنبه وداعمين له أمام التحديات التي واجهته عندما أراد أن يتابع دراسته الموسيقية، وبسبب الإصابة بيده اليمنى حتى مدرسه تخلّى عنه، لكن إلياس بقي متمسكاً بحلمه وتابع بيده اليسرى، تعليمه الأكاديمي الموسيقي- على خلاف الأخوين- في الأكاديمية اللبنانية أولاً ثم في المعهد الوطني للموسيقا، وقد تخرج عام 1956، علاوة على تلقيه دروساً في الموسيقا طوال عشرة أعوام تحت إشراف أساتذة فرنسيين.

ولكن عن تعاونه مع السيدة فيروز، شكلت الأغاني التي لحنها وكتبها لها بصمة في الذاكرة اللبنانية منها: «يا لور حبك، الأوضة المنسية، معك، يا طير الوروار، بيني وبينك، جينا الدار، قتلوني عيونا السود، يا اخوان، منقول خلصنا، ياي ياي يا ناسيني، كان الزمان، كان عنا طاحون».

المشوار مع صباح

لحن الرحباني لصباح أكثر من 65 أغنية بينها (يا حبيب القلب حبيتك) و(قالوا عني مجنونة) و(ليالي الحب) و(ميلوا علينا) و(نوسي نوسي) و(هاشلي بربارة) و(هالي) و(ولد يا ولد) و(رقصني دخلك يا حبيبي)، (كيف حالك يا أسمر)، (شفته بالقناطر)، و(يا هلي يابا).
كما قدم معها مسرحية (وادي شمسين) التي لحن كل أغنياتها وكتب نصها.

في الموسيقا التصويرية

كانت حقبة السبعينيات زاخرة بالموسيقا التصويرية التي قدمها الرحباني لأبرز الأفلام المصرية والمسلسلات اللبنانية والعربية، إذ قدم مقاطع لا تعد ولا تحصى منها نذكر: موسيقا فيلم (هذا أحبه وهذا أريده) للفنانة المعتزلة نورا والمطرب هاني شاكر، وفيلم (أجمل أيام حياتي) بطولة ​نجلاء فتحي​ و​حسين فهمي، ​ وكذلك فيلم (حبيبتي) للراحلين فاتن حمامة ومحمود ياسين، وفيلم (دمي دموعي وابتسامتي) لنجلاء فتحي ونور الشريف.
أما لبنانياً فقد ترسخت ألحان إلياس الرحباني في عدد كبير من المسلسلات الشهيرة أبرزها الموسيقا التصويرية والألحان لمسلسلات (ألو حياتي) و(لا تقولي وداعاً) و(عازف الليل) و(ديالا) وهي جميعها بطولة عبد المجيد مجذوب والراحلة هند أبي اللمع.

وعطاؤه الموسيقي لم يجف حتى طيلة مدة الحرب الأهلية في لبنان التي دارت بين عامي 1975 و1990، حيث شارك موسيقياً في مسلسل (أربع مجانين وبس) عام 1982.

مع فرحة الطفولة

لم تمنعه انشغالاته الفنية من تخصيص ركن من النغم خاص بالأطفال، فقدم لهم أغنيات لا تزال تتردد على لسان الكبار والصغار من بينها نذكر: (في عنا شجرة) و(كلن عندن سيارات) و(شتي شتي) و(يلا نعمر) و(طلع الضو ع الواوي) و(عيدك يا ماما) و(عمي بو مسعود).

في التماشي مع العصر

روح التجدد ومحاولات التغيير لتطويع الموسيقا وفقاً لأهواء الشباب دون المساس بالجوهر، أثرت بنظر البعض على مستوى إلياس الرحباني الموسيقي، لكنه أبى الاستسلام وبقي بالمحاولات متماشياً مع رغبة الشباب والتجديد، مثيراً بين الحين والآخر السجالات والانتقادات، فمنذ اتجاهه للتلحين وكتابة الأغاني بدا الموسيقار أقرب إلى الموجات الفنية الحديثة، من دون أن يتخلى عن ذاكرته الرحبانية والمدرسة الرحبانية، وفي هذه الفترة اتجه إلى تلحين أغنيات بالفرنسية والإنكليزية، متبعاً طريق الموضة الغنائية الرائجة، بل إنه أنجز أغنيات تسمى بـ«الفرنكو أراب» وكانت تلقى بطرافتها رواجاً لدى جيل الشباب.
وحتى في زمن الصبوحة عندما قدم لها أغنية (وعدوني ونطروني) التي حولها من لحن إعلاني (باريلا معكروني)، انهالت عليه الانتقادات رغم النجاح الكبير المحقق للأغنية.

وأخيراً وفي 2005 صدرت أغنية «بدي عيش» التي كتبها ولحنها ووزعها موسيقياً للفنانة هيفاء وهبي، وحينذاك انتقده بعض الصحفيين لتخليه عن مستواه الموسيقي، لكن حتى أيامنا هذه الأغنية مازالت تتمتع بالشعبية الشبابية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن