ثقافة وفن

آخر صفحات مجد الرحابنة

| إسماعيل مروة

سئل إلياس الرحباني مرة عن الرحابنة ومكانته بين إخوته، فكان الأخ والمتواضع والعارف لمكانته، فتحدث عنهما وعن فيروز في الأغنية، وخصّ نفسه بالتأليف الموسيقي للمعزوفات والقطع الموسيقية، ومن حسن الحظ أنني اقتنيت في الثمانينات من القرن العشرين مقطوعات موسيقية من تأليف وتوزيع إلياس الرحباني، وقد تمّ تسجيلها في أرقى الاستديوهات ومع أهم الفرق الموسيقية.
كان إلياس جزءاً من المدرسة الرحبانية، وصاحب بصمة خاصة في الموسيقا تفترق عن الأخوين في كثير من المواضع، ويكاد إلياس في موسيقاه يتخصص بالنخبة لاعتماده الكلاسيكية تأليفاً وتوزيعاً، ولكن إسهاماته مع أخويه، وفيروز، ومع أساطين الغناء اللبناني مثل وديع الصافي وملحم بركات تثبت عمق إلياس وفهمه ومقدرته على الدخول إلى روح الكلمة الشعبية والدارجة، كما إلى الكلمة العميقة والشاعرة، وأغنيات إلياس التي لحنها تظهر براعته في المواءمة بين الرقي والإحساس الشعبي في الأغنية الرائجة، وإن كانت إسهامات إلياس الغنائية قليلة قياساً إلى علمه وفنه وخبرته، إلا أنها ذات خصوصية، وذاعت ذيوعاً كبيراً تجاوز ما تركه المتخصصون في اللحن والأغنية.. وقد سمعت من إلياس الرحباني أكثر من مرة بأنه قد يقوم بالتلحين من أجل متطلبات الحياة، أما هاجس حياته فقد كان الموسيقا والتأليف الموسيقي، والمزج ما بين الشرقي والغربي، ومحاولة إيصال الموسيقا العربية إلى الخارج لتأخذ مكانتها التي تستحق.
شكا إلياس الرحباني خلال حياته من ضعف الاهتمام بالموسيقا والتأليف الموسيقي، وشكواه لم تكن ذاتية، وإنما كانت حرقة على الموسيقا العربية التي لا تصل إلى حيث يجب أن تصل عالمياً، وإلى ضياعها في سراديب الأغنية الرائجة التي تفقد الموسيقا مكانتها.
إلياس الرحباني أغنى الموسيقا العربية وسجل في المحافل الدولية ألحانه ومقطوعاته وشكّل عالماً مرهفاً من الموسيقا داخل روحه، وكان بين وقت وآخر يطل بكلمة أو لحن.
إلياس الرحباني كان شفافاً ورقيقاً في نقده وتأليفه وعزفه، كان إنساناً مبدعاً وخاصاً، ثقل على روحه ما يراه، فاختار أن يكون وحده يسترجع ذاته من أماكن أرادها على شكل هارموني، ولكنها شاءت ألا تكون..
ها هو عاصي وها هو منصور معاً يستقبلان إلياس في رحلته الأبدية لتكتمل رحلة المدرسة الرحبانية دوراناً وخاتمة وخلوداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن