ثقافة وفن

ثنائيات تمثيليّة تبقى محفورة في الوجدان … دريد ونهاد جمعهما الفن وساهما في تأسيس عصر ذهبيّ سينمائيّ

| سوسن صيداوي

تشكيل ثنائية في العمل الفني واختيارها من قبل المخرج ليس بالأمر الهيّن، فيجب أن تجمع الاثنين عناصر تمتزج في الشخصيتين معاً، وفق كيمياء قوية جداً تدل على التوافق الفكري والمشاعري، لينعكس علينا نحن الجمهور بردات الفعل التي يقوم بها الاثنان أثناء مشاهد العمل الفني، ومنذ انطلاقة بث التلفزيون السوري عام 1960، ساهم وحتى أيامنا هذه، في تشكيل الكثير من الثنائيات التي أسعدتنا ولازالت، بالمواقف الطريفة التي حفظناها ولن نتردد يوماً بعد الآخر بمعاودة مشاهدتها حتى لو لمئات المرات دون أي ملل أو كلل.
ومن الثنائيات المختارة سنبدأ مع قامتين لهما الفضل الأكبر بنشر الحياة السورية الشعبية البسيطة لأنحاء الوطن العربي، ضمن مواقف حياتية وبشرية بحتة ومن صميم الواقع، في قوالب طريفة للغاية، الحديث اليوم عن الثنائي الكوميدي غوار الطوشة وحسني البورظان وعلى الخصوص في أفلامهما السينمائية.

في الثنائية

بداية لابد من الإشارة إلى أن كلا العملاقين دريد لحام ونهاد قلعي، جسدا الكثير من الأدوار المتنوعة في السينما والمسرح والتلفزيون، في ثنائية استمرت لسنوات عديدة وأكسبتهما شعبية لا مثيل لها، وخلوداً في الذاكرة والوجدان السورية والعربية، من خلال ما قدماه من مفارقات فكاهية، وبما تميزا به من ثنائية فيها من الفعل وردة الفعل الكثير، عبر مقالب مدروسة بعناية، تُظهر النوازع الإنسانية البريئة أو الخبيثة على حقيقتها من دون أي تجميل، وحتى في الطباع أو الشكل هناك صراع في هذه الثنائية غير المتوافقة في النحف أو السمنة، بين الطيبة والمكر، بين البرود والعصبية، وحتى التناقض في المستوى الفكري والاجتماعي، فواحدة من الشخصيات تحيك المقالب بخبث ومكر، والأخرى تتلقاها إما بتسليم أو بسذاجة.
ظهرت هذه الثنائية مع بداية البث التلفزيوني السوري في أوائل ستينيات القرن الماضي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفنان نهاد قلعي كان كاتب سيناريو وهو الذي تبنى شخصية حسني البورظان، وكان المبتكر للمواقف والمقالب الكوميدية، كونه قد سبق زميله الفنان دريد لحام بالتمثيل في المسرح مع الرواد الأوائل من أمثال عبد اللطيف فتحي ورفيق سبيعي وآخرين، وفي النهاية شكلا معاً ثنائية اشتهرت بـ(دريد ونهاد).

في السينما السورية والمصرية المشتركة

البداية في السينما مقترنة بافتتاح التلفزيون السوري، وذلك على التحديد بعد عام واحد وبمناسبة أعياد الثورة عام 1961، حيث قام دريد ونهاد بعمل أوبريت مسرحي اسمه (عقد اللولو)، الذي لقي استحسان الجماهير وأعجب به المنتج نادر الأتاسي وقرر تحويله إلى فيلم سينمائي وعلى حسابه الخاص، ليرى فيلم (عقد اللولو) النور في عام 1964، وإلى جانب ثنائيتنا شارك بالتمثيل فيه كل من صباح وفهد بلان، ومن إخراج يوسف المعلوف.
بعد النجاح الكبير الذي حققه الفيلم الأول، قرر المنتج نادر الأتاسي والمخرج يوسف المعلوف إعادة التجربة مع الثنائي دريد ونهاد في فيلم اسمه (لقاء في تدمر) وذلك في سنة 1965 والجدير بالذكر أن الفيلم من تأليف دريد ونهاد وشاركهم البطولة هالة شوكت.

بعدها واجهت ثنائيتنا فشلاً كبيراً في فيلم (الشريدان) من إخراج رضا ميسر والذي كان بالأبيض والأسود، بسبب عدم تطابق الصوت على الصورة تماماً، ولكن حاول نهاد ودريد إعادة الثقة للجماهير فقدما فيلم (فندق الأحلام)عام 1966 بالألوان ومن بطولتهما مع الممثلة اللبنانية ميشلين ضو وإخراج ألبير نجيب، تبعاه بفيلم (أنا عنتر) بمشاركة المطربة اللبنانية رندة، وقدموا أيضاً فيلم (المليونيرة) من بطولتيهما مع صباح ومن إخراج يوسف المعلوف.
في عام 1967 لعبت ثنائيتنا بطولة فيلم (غرام في إسطنبول) من إنتاج سوري لبناني مشترك ومن إخراج سيف الدين شوكت عن قصة (أنستازيا) الأميرة الروسية الوحيدة التي نجت من الأسرة المالكة بعد قيام الثورة الروسية وانتهاء عهد القياصرة،

وأيضاً بطولة فيلم (الصعاليك) إلى جانبهما الممثلة مريم فخر الدين ومن إخراج يوسف المعلوف.
وبقيت الأعمال مشتركة مع مصر في بطولة فيلم (النصابين الثلاثة) من إخراج نيازي مصطفى بمشاركة وحش الشاشة فريد شوقي، كما شارك في فيلم (اللص الظريف) من إخراج يوسف عيسى ونيلي في البطولة أيضاً.

في عام 1969 مثّل دريد ونهاد وإلى جانبهما شادية في فيلم (خياط السيدات) من إخراج عاطف سالم، تلاها بفيلم جميل بعنوان (الصديقان) من إخراج حسن الصيفي والبطولة معهما لنجلاء فتحي ونجوى فؤاد.
وفي نفس العام تتالت النجاحات عبر فيلم (الرجل المناسب) للمخرج حلمي رفلة وبمشاركة كمال الشناوي ونادية لطفي.
في عام 1971 مثّل نهاد ودريد في ثلاثة أفلام أولها فيلم (امرأة تسكن وحدها) من إخراج نجدي حافظ، وثانيها فيلم (الثعلب) من إخراج يوسف المعلوف وثالثها فيلم(1+1) ومن إخراج يوسف المعلوف أيضاً.
أما سنة 1972 فجاءت الثنائية معها بالفيلم الكوميدي (مقلب من المكسيك) من إخراج سيف الدين شوكت.
وجاء عام 1973 بفيلمين لنهاد ودريد أولها (زوجتي من الهيبز) من إخراج عاطف سالم، والفيلم الآخر (مسك وعنبر) من إخراج محمد ضياء الدين.

وفي عام 1974 تأثر نهاد ودريد بموجة أفلام جيمس بوند وصدى هوليود فعملا في فيلم (غوار جيمس بوند) من إخراج محمد شاهين.
وفي الختام وبعد نجاح مسلسل (صح النوم) قرر نهاد ودريد تحويله إلى فيلم سينمائي، وفعلاً تحول الحلم إلى حقيقة سنة 1975 وكان من بطولة دريد ونهاد وإخراج خلدون المالح، وليكون خاتمة مشوار نهاد قلعي السينمائي وآخر فيلم للثنائي الذهبي سوية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن