من دفتر الوطن

مساكنة..

| فرنسا- فراس عزيز ديب

في أيار من عام 2006 طلب شابّ فرنسي من القضاء إنهاء زواجه الذي دام أياماً، مستنداً إلى إحدى مواد القانون المدني التي تتيح لأحد الطرفين طلب إلغاء الزواج من دون تحمل أي تبعات لذلك، عندما يكون هناك إخفاء لأمر جوهري من الطرف الآخر، وفي حالته هذه فإن زوجته لم تكن عذراء.
لم يكن هذا الشاب يعلم بأن قضيته ستتحول إلى قضية رأي عام، كانت ولا تزال توحي لأساتذة القانون بعناوين بحثية عن الطلاق والحريات الشخصية، حتى إن جلسات المحاكمة التي دامت لعامين تحوّلت لساحات صراع بين طرفين، زاد من حدتها الجذور المغاربية والإسلامية لكلا الزوجين:
الطرف الأول يرى بأن إدانة الزوجة أمر ليس مقبولاً، أما الحديث عن ربط العذرية بالشرف فهو تمييز غير أخلاقي لأننا ببساطة لا نمتلك ذات القدرة على التأكد من شرف الرجل! طبعاً لم يخل الأمر من فرصة سانحة لليمين المتطرف يومها للعب على وتر التخويف من العادات الإسلامية حسب زعمهم.
الطرف الثاني وجد أن الزوجة مدانة، إذ كان عليها الاعتراف ومن حق الزوج أن يقبل أو لا.
ما زاد الطين بلّـة في هذه القضية أن القضاء الفرنسي لم يكن وقتها يمتلك نصّاً واضحاً يحسم الجدل، فهو تحدث عن «خطأ جوهري» لكن هل تدخل العذرية في سياقها؟ أي إن القضية ببساطة كانت بحاجة لاجتهاد من محكمة النقض التي بتت فعلياً باعتبار أن العذرية ليست أمراً جوهرياً.
أتذكر هذه الحادثة كلما شاهدت تقريراً ما يتحدث عن مصطلح «المساكنة» في مجتمعنا، لدرجة بات فيها هذا المصطلح والتعاطي معه أقرب لتعاطي «جهابذة الاستثقاف» في سورية مع مصطلح «العلمانية»، هؤلاء لا يرون من المصطلح إلا هجوماً على الدين الإسلامي، و«مساكنو» هذه الأيام لا يرون بمصطلحهم إلا تحرراً ينفض غبار المجتمع، كما أنها تتيح لهم اكتساب نوع من «البريستيج الثقافي» الذي يحتاجونه، ليبقى السؤال الجوهري:
ما هي المساكنة في المفهوم الغربي التي تريدون تطبيقها في مجتمعنا؟
في الدول المتقدمة قضائياً والتي تمتلك الكثير من المرونة في اصطناع الاجتهادات المناسبة، فإن تطور التشريعات المتعلقة بالزواج أو المصاحبة هي نتيجة منطقية، لكن هذه التشريعات لم يكن هدفها تحويل المرأة إلى سلعة أسيرة لصمت يحوّل ثقتها بالشخص إلى كابوس، فهي ليست زواجاً عرفياً، بذات الوقت هي لم تأت لخدمة أهواء الذكور الجنسية لأنها ليست مسياراً ولا متعة، هذه التشريعات جاءت لتحمي كلا الطرفين وبصورة متساوية في الحقوق والواجبات، أما فكرة العيش سوياً حتى يقررا الزواج من عدمه فهذا لغط لا معنى له، ليس هدفه الوصول فعلياً لعلاقة زوجية مناسبة بقدر ما هدفه تشريع الحرية الجنسية لا أكثر، فإذا استثنينا العلاقة الجنسية فإن الطرفين يمكنهما أن يكونا صفحة مكشوفة من دون أن يعيشا معاً ما يسمونه «المساكنة».
إن الحديث عما يسمونه «المساكنة» في مجتمعاتنا حالياً، هو أشبه بإهداء كرة قدم لطفل فقد قدميه نتيجة للغم أرضي، لا أعلم لماذا يستعجل البعض انهيار مجتمعاتنا بهذه الطريقة، هل هو تطبيق فعلي لفكرة انفصال من يسمون أنفسهم نخباً عن مجتمعاتهم؟ فالمرأة في مجتمعاتنا لا تبدو قادرة على المطالبة بحقها الشرعي بالميراث، وكم أتمناه يوماً أن يصبح حقاً مدنياً يعتمد المناصفة، وهناك من يريد أخذها إلى ما يسميه «المساكنة». الفتاة بنظر من يحبها ملاك وبنظره وبنظر عائلته «فلتانة» بعد الانفصال وهو يريد أخذها إلى المساكنة.
في الخلاصة: أخشى ما أخشاه أن نصل في هذا الترهل الثقافي والانفصال عن المجتمع إلى درجة نرد فيها يوماً على دعاة المثلية الجنسية! ما المستغرب؟ باسم اللبرلة والحريات الشخصية كل شيء وارد، إذ يبدو أن البعض ليس بحاجة لمساكنة مع أنثى بل مساكنة مع قدراته العقلية عساه يفهم فعلياً آلية تطور المجتمعات، ويتذكر أن إشكالية «العذرية» تلك حدثت بعد أكثر من قرنين على انتصار الثورة الفرنسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن