قضايا وآراء

حرب الخليج الرابعة ليست قريبة

| عبدالمنعم علي عيسى

تزايدت حدة التوتر في الخليج العربي مع تكشف نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة في غضون شهر تشرين الثاني المنصرم، وللأمر اعتباراته إذ لطالما تعبر تلك الحالة عن احتقان إدارة ما انفكت تمضي في إطباق حصارها على إيران، وهي ترى نصف نجاح في سياساتها تلك، فالحصار بالتأكيد أدى إلى استنزاف الاقتصاد الإيراني بدرجة كبيرة، كما وأحدث انزياحات من النوع الثقيل في بنية المجتمع، لكنه بالتأكيد لم ينجح في ثني طهران عن سياساتها، ولا لي ذراعها لتأتي صاغرة إلى طاولة المفاوضات التي ذكر دونالد ترامب مراراً أنها حاضرة، لكنها كانت في تباشيرها ترمي إلى استسلام إيراني على الطريقة اليابانية التي جرت ما بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي في آب من عام 1945، زاد من تلك الحدة لين السهام التي أطلقتها إدارة جو بايدن المرتقبة صوب إيران، وهي في مجملها توحي بإمكان عودة هذي الأخيرة إلى الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب في أيار من العام 2018، هذا يعني في السياسة تصفيرا لجهود سنوات أربع باتت ضائعة أو هي بلا جدوى.
لا يمكن رد منابع ذلك الاحتقان البادي مؤخراً إلى دوافع شخصية أو انتقامية متولدة لدى دونالد ترامب بفعل الفشل، فصناعة القرار في أميركا أمر محكوم بصراع قوى وتضارب مصالح تستولد بالضرورة اختلافاً في الرؤى وبناء السياسات، وهي، أي تلك القوى، تختار بمقاييس الربح والخسارة ما يناسبها بعيداً عن الصراخ والانفعال، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تصور أن تبنى تلك الخيارات على الأهواء أو الدوافع الشخصية، حتى عندما تقدم إدارة ما على عمل خارجي يظهر وكأنه ذو أبعاد داخلية اقتضتها دوافع من نوع رفع منسوب الشعبية للرئيس، أو تعزيز مواقع انتخابية، فإن ذلك يجب أن يتقاطع مع موجبات لا تتناقض مع مصالح تلك القوى التي ترسم الخطوط العريضة للسياستين الداخلية والخارجية، وخير دليل على هذا التحليل الأخير هو أن دونالد ترامب كان قد تحدث مراراً عن الحرب مع إيران، بل وحشد الحاملات بطريقة توحي بقرب اندلاع النار، إلا أن كفة المؤسسة العسكرية كانت هي التي ترجح ثقلها في منع اندلاعها، انطلاقا من أن واشنطن لم تكن في وارد إشعال فتيل حرب قد تتطور إلى ذرو نار إقليمية ستصيب الكثيرين ممن سيحاولون بالتأكيد منع قيامها، وكنتيجة فإن واقع القدرات الإيرانية الراهنة لا يقاس بالتأكيد بقدرات العراق عشية ربيع العام 2003 التي كانت مشجعة لواشنطن للقيام بغزو هذا الأخير وإسقاط النظام القائم فيه.
لا يختلف التحشيد الأخير الذي ما انفكت التقارير التي توردها وكالات الأنباء تشير إلى سعي ترامب نحو مراكمة المزيد منه في مياه الخليج، لا يختلف ذلك التحشيد عن السياقات السابقة، وهو من الناحية السياسية لا يعني الكثير، بل لربما يرمي، أكثر ما يرمي، إلى وضع المزيد من العصي في دواليب بايدن التي من المقدر لها أن تنطلق على سكة طهران سريعا بمجرد أن يصل هو إلى سكته التي ستوصله للبيت الأبيض، والمؤكد هو أن إيران قرأت بدقة هذه اللوحة التي يريد تشكيلها، فراحت تضع الأطر الراسمة للوحة ما بعد ترامب، وفي هذا السياق كان القرار بالعودة إلى تخصيب 20 بالمئة القائم ما قبل اتفاق فيينا تموز 2015، بمعنى أنها سعت من خلال هذا القرار للقول إنها لن تفاوض تحت السقف الذي كان قائما ما قبل هذا التاريخ الأخير.
حرب الخليج الرابعة لن تحدث قريبا، حتى لو تراكمت نذر توحي بقربها، لأن طرفيها ببساطة لا يريدانها، فإيران التي امتصت العام المنصرم ضربتين موجعتين، اختارت عدم الانجرار إلى سياسة حافة الهاوية التي أراد ترامب جرها إليها، وأميركا اليوم تمر بمرحلة حرجة يستحيل فيها على الرئيس اتخاذ قرار الحرب إلا تحت ذريعة واحدة هي تهديد الأمن القومي الأميركي التي لن تعطيها طهران له.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن