من دفتر الوطن

إنسان خارق أم مسخ؟ّ

| حسن م. يوسف

في أواخر سبعينيات القرن الماضي قرأت لأول مرة عبارة «الطاقم الوراثي البشري» في مقال مترجم ومع أنني، في ذلك الحين، لم أفهم ما المقصود بالعبارة، إلا أن المقال أثار فضولي لأن كاتبه رأى أن علم البيولوجيا الجزئية يفتح أمام البشرية آمالاً لا تحد، لأنه يمكن العلماء من تخليق جينات جديدة وصفات جديدة، وقد اقتبست آنذاك عبارة من المقال كتبتها في الدفتر الذي مازلت أحتفظ به: «البيولوجيا الجزئية تمكن الكائن الحي لأول مرة في التاريخ أن يفهم أصله وأن يتولى تخطيط مستقبله». ومنذ ذلك الوقت لم يكف فضولي حول هذا الموضوع عن النمو.
ترجع فكرة إنتاج بشر من نوع أفضل إلى عهد أفلاطون وربما قبله، لكن علم الوراثة الحديث نشأ على يدي فرانسيس جالتون ابن خالة تشارلز داروين، وهو عالم بارز لا يقل أهمية عن داروين إذ أعلن في أواخر القرن التاسع عشر أنه من الجائز أن نتمكن من تحسين الجنس البشري، بنفس الطريقة التي تربى بها الحيوانات والنباتات، أي عن طريق التخلص من الصفات غير المرغوب وإكثار الصفات المرغوبة فيها. وقد أطلق جالتون على برنامجه لتحسين البشر اسم (يوجينيا) وهو اسم مشتق من كلمة إغريقية تعني «نبيل الأصل».
في العقد الثاني والثالث من القرن العشرين قام أكثر من عشرين ولاية أميركية بسن قوانين، أو وضع مسودات قوانين، تشرعن «التعقيم البيولوجي» ضد الأقليات بغية زيادة تكرار المورثات (الجيدة)! وخفض تكرار المورثات (الرديئة)! الأمر الذي من شأنه تحسين السلالات وتخليص المجتمع من (المنحطين بيولوجياً)! وكانت الولاية القائدة في هذا المجال هي ولاية كاليفورنيا التي عقمت مئات آلاف الناس. إلا أن هذا التوجه انطفأ بسبب تبني النازيين لسياسة التطهير العرقي.
يتراوح عدد جينات الفرد الواحد بين خمسين ألفاً ومئة ألف وهذه المورثات توجد على الكروموزومات وهي كيانات خيطية الشكل توجد داخل نواة كل خلية في جسم الإنسان وهي المسؤولة عن وجود عدد هائل من الخصائص البشرية في مجال الأمراض والنمو والسلوك. ومع أن الخلية نفسها لا ترى بالعين المجردة إلا أن الخريطة الموجودة فيها، يبلغ طولها، فيما لو مدت بخط مستقيم، من الأرض إلى القمر سبع مرات، وهي تروي قصة سلالة صاحبها منذ ظهور أحاديات الخلية قبل 3.5 مليارات عام، وحتى هذه اللحظة، ونصف قصة سلالته منذ هذه اللحظة وحتى انقراض السلالة!
عقب إنجاز الخريطة الوراثية للإنسان، أواخر القرن الماضي اكتشف العلماء أن الخريطة الوراثية لقرد الشمبانزي تشبه الخريطة الوراثية للإنسان بنسبة تسعة وتسعين بالمئة!
في اليوم الأخير من العام الماضي أعلن معهد الكيمياء الحيوية في جامعة مونستر في ألمانيا أن مجموعة من باحثيه قد طوروا آلية للتحكم في وظائف الحمض النووي باستخدام الضوء بحيث يستطيع العلماء إجراء تعديلات فوق جينية على الخلية تمكنهم من إضفاء خصائص إضافية على الحمض النووي غير موجودة في التسلسل التقليدي للوحدات الأساسية المكونة له ما يؤدي لظهور سمات جديدة، فهل سنشهد قريباً طفرة من البشر الخارقين، أم إن العبث بتكوين الإنسان سيؤدي لولادة نوع جديد من المسوخ؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن