قضايا وآراء

لماذا تكرر واشنطن أخطاءها… في زمن الحقائق..!؟

عبد السلام حجاب :

معروف أن الحراثة في البحر دليل عبثية قاتلة، وأن الرهان على نتائجها، فانتازيا يمكن قراءتها في الروايات، وأدرك سوء مآلاتها الرئيس الأميركي أوباما، وإن حاول تسويقها بنفاق سياسي في تصريحات تلفزيونية أصبحت علكة يمضغها إعلامه الحليف وحتى الأميركي، كما راح أطراف حلفه يصعدون رهاناتهم والاستثمار في خط المصالح الأميركية المباشرة التي تلزم أوباما باللحاق بالإرهابيين واختراع عناوين جديدة لهم والنفخ في قربتهم المثقوبة بالسر والعلن، عبر السياسة والإعلام وتزويدهم بواسطة الطائرات بأطنان من الأسلحة والذخائر أملاً بحلم صار سراباً، في حين أكد الرئيس الروسي بوتين أن بلاده لا تسعى إلى لعب دور الزعامة في سورية، وتسعى روسيا للمساهمة بقسطها في محاربة الإرهاب الذي يهدد الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية والعالم برمته. وهي لحظة التقطها كاتبان في نيويورك تايمز «بأن أقصى آمال أميركا لضرب داعش الإرهابي هو التحالف مع روسيا».
وأوضحت الخارجية السورية في بيان أن «تطورات الأحداث أثبتت أن سياسة الولايات المتحدة ومن يسير في ركابها تشكل خزان الدعم الأساسي للإرهاب التكفيري». ولاقته الخارجية الروسية «بأن الجهود الروسية بمكافحة إرهاب داعش والنصرة والمنظمات الإرهابية الأخرى تخلق الظروف الملائمة لإنجاح العملية السياسية في سورية». ولم تستبعد رئاسة الأركان الروسية نشر قاعدة عسكرية لمختلف صنوف الأسلحة في سورية.
شمس الحقيقية إذاً، لا يحجبها غربال وإن اتسعت ثقوبه وارتفعت مناسيب التضليل الإعلامي والبروبغندا الدعائية التي تجيد صناعة الأكاذيب والترويج لها. فالعين الواحدة التي تزور الحقائق لا ترى إلا نصف الحقيقة التي تناسبها. بدليل أن أكثر من نصف مواطني الولايات المتحدة يؤيدون العملية العسكرية الجوية الروسية ضد الإرهاب في سورية حسب استطلاع لمحطة فوكس نيوز الأميركية، وأن 71 بالمئة من البريطانيين وفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة «ديلي اكسبريس» البريطانية يؤيدون العملية العسكرية التي تنفذها القوة الجوية الروسية ضد تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية.
ولعل من يراقب المشهد الميداني في سورية والتطورات السياسية المؤيدة لمكافحة الإرهاب واجتثاثه على قاعدة الشرعية الوطنية السورية والدولية بات يدرك بوضوح أن يوم الثلاثين من أيلول الماضي شكل لحظة انطلاق مفصلية في دحر الإرهاب وتدمير أدواته وأوكاره حين أطلق الجيش العربي السوري عمليته العسكرية الكبرى لاجتثاث الإرهاب من الجغرافيا السورية بالتعاون العلني والشرعي لسلاح الجو الروسي، وهي الشرعية الدولية ومبادئ وقوانين الأمم المتحدة التي يهرب حلف واشنطن من الالتزام بها لأنها تضع الأجندة الأمريكية وأحلام تحالفها مباشرة على محك الحقيقة والوقائع في محاربة الإرهاب، وسط تأكيد الرئيس بوتين بأن العملية الروسية في سورية محكومة زمنياً بالعملية الهجومية التي تنفذها القوات المسلحة السورية ضد التنظيمات الإرهابية.
في ضوء هذه الحقائق التي تجاوزت التحليلات المنافقة والرهانات الساذجة، يصبح السؤال مشروعاً عن الأسباب الكامنة خلف إصرار واشنطن على انتهاج سياسات يصفها المحللون بالحماقة والارتباك لأنها تكرر أخطاء تكتيكية وإستراتيجية، لرؤية وحيدة الاتجاه، محصورة في نطاق من مواصلة دعم الإرهاب والاستثمار فيه ومن البحث عن أمن ومصالح الكيان الإسرائيلي، وهو ما يعمل على تنفيذه البريطاني كاميرون والفرنسي هولاند ويتعهده مالياً وتسليحاً وإرهابيين مثلث الإرهاب المكون من العثماني السفاح أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر.
ولعل نظرة سريعة إلى تلك الأسباب تبين ما يلي:
1- المكابرة حيال الإقرار بحقيقة أن الأحادية القطبية الأميركية قد أصبحت من الماضي. وبأن العالم أصبح متعدد الأقطاب ولا يمكن الرجوع عنه.
2- محاولة تأكيد عبثية عبر ازدواجية المعايير بأنها القوة الوحيدة القادرة على تحديد مسارات العالم والمايسترو الذي يرسم لحلفائه خطوات تحركهم رغم الفشل الذي يحاصر الجميع في السياسة والميدان. وعلم واشنطن الأكيد بأن أي شروط سياسية لا تأخذ قرار السوريين وحقوقهم الوطنية السيادية بعين الاعتبار إنما تخدم الإرهاب وأجنداته ومصالح مشغليه شكلاً ومضموناً.
3- سعي حثيث لاستعادة زمام فرض شروطها وأجندات حلفها الإرهابي في سورية باختراع عناوين إرهابية جديدة كمظلة لمشاريعها بتعطيل قرارات مجلس الأمن ودعم الإرهاب سياسياً وتسليحياً. وهو ما حذّرت منه موسكو بإعلان الوزير لافروف بأن تزويد الإرهابيين بمنظومات أسلحة مضادة للطائرات لا يمكن أن يكون دون عواقب.
4- التقليل ما أمكن من حدة الصدمة التي أحدثتها العملية العسكرية السورية الكبرى بإسناد شرعي من القوات الجوية الروسية في محاربة الإرهاب وما تركته من آثار سلبية أصابت تحالف واشنطن بافتضاح دوره المخادع تجاه الإرهاب، وبات محاصراً بين خيار لتسخين غير مقدور عليه وسعي عملي لتمديد الأزمة في سورية وهو أمر بحكم الساقط ميدانياً وسياسياً ونقل موقع كاونتر بانش الأميركي عن الجنرال في هيئة الأركان الروسية أندريه كارتابولوف تأكيده «بأن العمليات الجوية الروسية سجلت نتائج إيجابية لمصلحة القوات المسلحة للدولة السورية وفق كل الحسابات».
بطبيعة الحال فإن أميركا لا تستطيع الخروج من جلدها والانسجام مع قرارات ومبادئ الشرعية الدولية ومن كان ديدنه الحراثة في البحر لا يمكن أن يعيد له الوعي فشل هنا وانكسارات هناك كما لن تصلح من سياساتها الطائشة خطوات منافقة مرتبكة مثل إعلان الرئيس أوباما عدم الانسحاب العسكري من أفغانستان تحسباً لمعادلات جديدة بدأت تعكس حضورها في المشهد السياسي الدولي الذي أخذ يعيد صياغته الصمود السوري وما يحظى به من مساندة عملياتية لتحالف طهران وموسكو وبغداد ودمشق والنتائج التي تحققها في مواجهة الإرهاب.
وعليه فإن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد واثقة بقدرات شعبها وجيشها ودعم ومساندة الأصدقاء والحلفاء من تحقيق النصر القريب الذي يشكل دحر الإرهاب واجتثاثه مقدمة موضوعية للحل السياسي الذي يريده السوريون وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن