قضايا وآراء

الموساد وبعض «العرب»!

| تحسين الحلبي

اعتاد قادة إسرائيل منذ اغتصاب الوطن الفلسطيني، دوما على الطرق والوسائل السرية الخفية كمقدمة لتحقيق أهدافهم بعد اغتصابهم لفلسطين لحماية ما احتلوه من أراضيها والأراضي السورية في الجولان العربي السوري واللبنانية في مزارع شبعا وما حولها، وكانت وسيلتهم الرئيسة والمركزية هي استخدام «الموساد» جهاز التجسس والعمليات الخاصة الإسرائيلية.
وهذا ما تظهر دلائله في مقال كتبه الصحفي الإسرائيلي ديفيد هوروفيتش في المجلة الإلكترونية الإسرائيلية الصادرة بالعبرية «زمان يسرائيل» في 17-12-2020 فقد ذكر هوروفيتش في مقاله أن إفرايم هاليفي اليهودي البريطاني وأحد الذين انضموا للموساد منذ بداية الستينيات بعد هجرته لإسرائيل وأصبح رئيساً للموساد عام 1995 قال له في مقابلة إنه تعرف واجتمع ببعض المسؤولين من الأمراء والملوك العرب منذ الستينيات والسبعينيات حين كان بعضهم ينضم إلى دورة عسكرية في كلية ساند هيرست البريطانية وذكر أن من بينهم ملك سلطنة عمان قابوس وملك البحرين. وقال هاليفي الذي أصبح عمره 86 عاماً إنه أشرف وقاد عمليات للموساد في اليمن الجنوبي والشمالي أثناء الاحتلال البريطاني لليمن الجنوبي وأثناء إرسال الرئيس المصري عبد الناصر الجنود لدعم ثورة الشعب اليمني ضد البريطانيين وضد حكام اليمن وقال: «أشرفت على 14 عملية إنزال أسلحة إسرائيلية بوساطة طائرات نقل لسلاح الجو الإسرائيلي إلى الأراضي التي كانت تسيطر عليها المجموعات التي كانت تقاتل ضد الثورة اليمنية والجيش المصري».
وكشف هاليفي أن كل هذه المهام كانت تجري بمشاركة المخابرات البريطانية والمقدم البريطاني ديفيد سمايلي الذي كان دوره يشبه دور لورانس العرب وأنه التقى بالسلطان قابوس عام 1975 في الأراضي العمانية حين كان قائدا لوحدات حماية الحدود بين السلطنة واليمن الجنوبي وقضى معه في موقعه وقتا طويلا.
ويكشف هاليفي لأول مرة أنه هو الذي أعد اجتماعاً بين رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحاق رابين والسلطان قابوس عام 1994 وقال: «حين وقع الملك الأردني حسين اتفاقية السلام عام 1994 مع إسرائيل استدعاني رابين وطلب مني إيجاد دولة عربية توافق على عقد اتفاق سلام لأنه لا يريد أن يترك الأردن وحدها في هذا السلام».
ويضيف هاليفي: «سافرت إلى عمان وطلبت من السلطان قابوس دعوة رابين إلى زيارة مسقط لتمهيد الطريق نحو اتفاقية سلام مع إسرائيل ووافق قابوس على استقبال رابين لكن دون الإعلان عن زيارته إلا بعد انتهائها وهذا ما جرى».
وتبيّن فيما بعد أن قابوس لم يقبل بتحقيق رغبة رابين بعقد اتفاق سلام بل وافق على فتح ممثلية تجارية في إسرائيل عام 1995 على غرار إمارة قطر إلى أن أغلقها هو وقطر عام 2000 بعد انتفاضة الأقصى في فلسطين المحتلة.
من الواضح أن هذه العلاقات التي كان الموساد هو الذي ينسج خيوطها ويعد وسائلها بأشكال سرية لم يكن يبادر إلى كشفها أحد غير إسرائيل فقط بل إنها تستخدم توقيت نشرها دون أي موافقة مسبقة من أصحاب الصلة فيها.
ولذلك يقول هوروفيتش إن ما يحمله هاليفي من سجل لمهامه وعلاقاته أثناء عمله في الموساد لأكثر من خمسين عاماً لا يمكن تقدير حجمه، ولو أراد كتابته لضم عشرات الآلاف من الصفحات. ويذكر أن من يتولى المسؤولية المباشرة عن رئيس الموساد هو رئيس الحكومة فهو الذي يعينه بخلاف رئيس المخابرات العسكرية الذي يختاره ويعينه رئيس الأركان ولذلك يتمتع رئيس الموساد عادة بأعلى مرتبة في مهامه ولا يقدم تقريره إلا لرئيس الحكومة الذي يقدمه بدوره للمخابرات العسكرية التي تنسق مهامها بمشاركة الموساد.
ولا بد من ملاحظة أن الموساد ليس قوياً بذاته وبقدراته الإسرائيلية على تشكيل مثل هذه العلاقات بقدر ما يستمد هذه القدرات من تنسيقه واستعانته بالمخابرات البريطانية والأميركية وعلاقاتها ونفوذها فهي التي تقدم له المساعدة في الوصول إلى الدول الحليفة أو التابعة لها وخاصة في منطقة شبه الجزيرة العربية التي كانت بريطانيا تتولى إدارة معظم أراضيها وإماراتها حتى عام 1971 حين منحتها الاستقلال وتقاسمت المصالح والدور المتنفذ فيها مع الولايات المتحدة، ولو أراد الموساد الاعتماد على قدراته لوحده، لما حقق أي انجاز يذكر، بل إن الدعم الاستخباراتي البريطاني والأميركي هو من أنقذه من الفشل في عدد لا بأس به من المهام والعمليات التي كان ينفذها في مختلف المناطق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن