الأولى

ماذا عن «الترامبيين»؟

| بيروت– محمد عبيد

بعد «خضة» الكونغرس الأميركي، استعجل جزءٌ من فريق الرئيس دونالد ترامب إعلان براءته منه، فالرجل سقط بشكل سياسي وإعلامي مروع لم يختبر مثيلاً له أي رئيس أميركي سابق، وبالتالي يبدو استعجال هؤلاء أمراً بديهياً في نظام يقوم على تداول المواقع الوظيفية في الدولة بشكل انسيابي وفقاً للمصلحة الشخصية وللانتماء السياسي الموزع بين حزبين رئيسين الجمهوري والديمقراطي.
لكن ماذا عن الحلفاء أو الأتباع الذين راهنوا على فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية، وبنوا على هذا الرهان وقائع سرعان ما عاودوا العمل على تعديلها، خصوصاً بعدما وجدوا أن كلام ترامب برمته حول العصيان السياسي وقلب نتائج الانتخابات لمصلحته لم يكن سوى أضغاث أحلام سرعان ما تهاوت حتى قبل اقتحام من سمتهم محطة CNN الأميركية «الإرهابيين المحليين» مبنى الكونغرس.
ويتربع على رأس لائحة هؤلاء «الترامبيين»: ولي عهد نظام المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان.
وبناءً على ذلك، سارع محمد بن سلمان إلى لملمة مكونات «مجلس تعاون دول الخليج» من خلال تسوية صاغها صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر، هذه التسوية التي عمل الإعلام السعودي على إظهارها على أنها تمت بصيغة رابح رابح.
والواقع أن ولي العهد الذي يتوجس خوفاً من مواقف الرئيس بايدن وبعض إدارته تجاهه شخصياً، قرر أن يستبق وصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى البيت الأبيض بخطوات تعيد تعويمه في بيئته الخليجية وتباعاً العربية، وإذا اضطره الأمر السعي إلى الاستفادة من التقارب الشخصي الذي تقصد تظهيره في قمة مدينة «العُلا» مع حاكم دولة قطر بهدف الوصول من خلاله إلى شكل ما من «ربط نزاع» مع إيران، اعتقاداً منه أن هذا الحاكم يمكن أن يكون صندوق بريد لرسائله «الإيجابية» المفترضة على قاعدة العودة إلى صيغة «حسن الجوار» التي لطالما دعا إلى اعتمادها الجانب الإيراني.
وبواقعية سياسية، لا شك أن الحفاظ على نظام المملكة التزام لن تحيد عنه أي إدارة أميركية أياً كان مسماها ديمقراطية أو جمهورية، لأن ذلك مرتبط بمنظومة المصالح والنفوذ في المنطقة التي تمر من خلال هذا النظام. لكن ذلك لا يعني بالضرورة الالتزام بالحفاظ على شخص محمد بن سلمان أو تسهيل الطريق أمامه مستقبلاً ليمسك بمقاليد المُلك وحده. لذلك يحتاج ابن سلمان إلى إعادة ترتيب أولوياته العربية والإقليمية بما يتلاءم مع الرؤية الافتراضية للإدارة الديمقراطية الجديدة التي تستلهم خطوطها الرئيسة من أداء إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما.
لكن يبدو أن الوحيد الذي ضمن مستقبلاً مهنياً جيداً هو جاريد كوشنر، الوسيط غير النزيه والمؤثر في طرفي النزاع الخليجي السعودي-القطري. سعى كوشنر ونجح في صياغة تنازلات شكلية تجنب قطر التعهد بأي التزامات كانت شروطاً سعودية للمصالحة، وحصل جراء ذلك على جملة استثمارات ومصالح تقيه التشرد بحثاً عن عمل ما أو الانتظار أمام أبواب قد تغلق بوجهه بعد خروج عمه من البيت الأبيض.
المشكلة الأكبر التي ستواجه محمد بن سلمان وآخرين ممن راهنوا على انقطاع حبل التواصل بين طهران وواشنطن أن إعادة وصله سيمر بالتأكيد من فوق رؤوسهم، مما يعني انتفاء أدوارهم الوسيطية السابقة بالنسبة لإيران خصوصاً منهم بعض الدول التي استعجلت التطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي قبيل رحيل ترامب، اعتقاداً منها بإمكانية الاستفادة من اتفاقيات ثنائية عسكرية وأمنية مع هذا الكيان تؤمّن لها شكلاً ما من «الحماية» من التدخلات الإيرانية المفترضة.
أما أردوغان المتورط احتلالاً وإجراماً ودعماً وتوظيفاً للإرهاب في أكثر من دولة عربية، فيبدو أنه يفضل انتظار جلاء صورة مقاربات الإدارة الأميركية الجديدة، محاولاً في الوقت ذاته إبقاء تموضعه السياسي على حاله مع بعض الإضافات الشكلية إلي بدأت تظهر من خلال مجاملات سياسية بينه وبين بعض أنظمة الخليج العربية التي كانت تضعه في مرحلة سابقة على رأس لائحة الأعداء الإقليميين بل العدو الذي يهدد الدين والعروبة من خلال رعايته وتبنيه لما يسمى «جماعة الإخوان المسلمين»!
على أي حال، لن يطول الأمر حتى تتكشف تلك المقاربات التي من المفترض أن تكون مبنية على الخطاب الانتخابي الذي كانت تروج له حملة الرئيس المنتخب جو بايدن، التي كانت تضع أردوغان في مصاف المكروهين من الإدارة الجديدة.
هذا التوصيف بمجمله لا يعني مطلقاً الرهان على أداء إدارة بايدن باعتبارها ستحدث انقلاباً في الخيارات الأميركية في المنطقة، وخصوصاً أن الإدارات السابقة على اختلاف تسمياتها ديمقراطية أو جمهورية كانت هي صانعة الحروب المتنقلة والإرهاب في المنطقة.
الاختبار الأول والأخير يتمثل بإجراء تغييرات جذرية في سياساتهم تجاه شعوب منطقتنا، وما عدا ذلك لا يعدو كونه استعادة لسياسات أميركية سابقة خَبِرنا نتائجها المدمرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن