ثقافة وفن

في يوم المسرح العربي.. إضاءات في انطلاقته.. أبو الفنون نشأ في سورية من الفرق الشعبية

| سارة سلامة

في العاشر من كانون الثاني يحتفل المسرحيون العرب بيوم المسرح العربي ذلك التاريخ الذي تأسست فيه الهيئة العربية للمسرح، ليكون يوماً عربياً للمسرح، وقد تم اختياره لأنه شهد ولادة الهيئة التي رأوا فيها طوق نجاة واعتبروه يوماً عربياً للمسرح.
وكان مولد المسرح العربي في القرن التاسع عشر على يد الأديب اللبناني مارون النقاش الذي عاش مغترباً في إيطاليا، واطلع على ثقافة ذلك البلد وأحوال أبنائه وأعجب بمسرحهم.
ولما عاد إلى بلاده حاول أن يدخل إليها هذا الفن، فراح يكتب القطع المسرحية، ويشكل فرق التمثيل على طريقة موليير المسرحي الفرنسي، وهكذا قام بترجمة مسرحية «البخيل» لموليير بعد أن أجرى عليها بعض التغييرات لتلائم الجمهور العربي، ثم كتب مسرحية «الحسود السليط»، و«أبو الحسن المغفل». وهكذا كانت الخطوة الأولى لفن المسرحية في الأدب العربي.

لبنان كان أول بلد يعنى بفن المسرحية كلون أدبي، وكان احتكاك لبنان بالغرب سبب ظهور المسرح العربي. وقد راق هذا اللون الجديد من الأدب أبناء الشرق. فأخذوا يكتبون العديد من المسرحيات. فوضع سليم النقاش، وهو ابن أخت مارون، ثلاث مسرحيات: «ميّ»، و«عائدة»، و«الظلوم دعجاء».
وقامت في دمشق نهضة أخرى للمسرح على يد الشيخ «أحمد أبو خليل القباني»، وكان تأليفه على حد قول خليل مطران: «خليطاً من الهزل والجد، والكلام والغناء، يعرف عند الإفرنج بالأوبريت؛ وأبدع ضرباً حديثاً يسميه الغربيون «باليه» واسمه عندنا «رقص السماع».
بعد ذلك أصبحت مصر قبلة يحج إليها المؤلفون والممثلون، حيث وجدوا فيها ميداناً خصباً لأفكارهم ومسرحياتهم، وقد أنشأ الخديوي إسماعيل الأوبرا الملكية، فجمع سليم النقاش من بيروت جماعة للتمثيل وقصد مصر سنة 1876، وكان لفرقته تأثير كبير على الجماهير.
ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى، اتخذ التوجه الأدبي المسرحي طريقاُ جديداً نحو الواقعية الاجتماعية، ووضع ميخائيل نعيمة مسرحية «الآباء والبنون»، وفي سنة 1935 ظهر سعيد عقل بمسرحيته الشعرية «بنت يفتاح» ودرج فيها على أسلوب قدامى اليونان وعلى أسلوب الفرنسيين الكلاسيكي.
وهكذا سار المسرح العربي من طور التعريب والاقتباس والتقليد، إلى طور المحاولات، إلى طور الواقعية الاجتماعية، إلى طور الاتجاه الكلاسيكي.

في سورية بدأ من الفنون الشعبية

بدأ المسرح السوري في 1871 على يد «أحمد أبو خليل القباني» الذي أسس مسرحاً في دمشق، وقدم عروضاً مسرحية وغنائية كثيرة منها «ناكر الجميل- أنس الجليس- هارون الرشيد- عايدة- الشاه محمود- وغيرها»، وازدهر المسرح في سورية على يد «القباني» وقد أعجب بالعروض التي كانت تقدم في مقاهي دمشق، وقصص الحكواتي، وكان «القباني» يتابع عروض موسيقا «ابن السفرجلاني» في دمشق كما تعرف إلى الفرق المسرحية التي تمثل في مدرسة العازرية بمنطقة «باب توما».

قدم «أبو خليل القباني» أول عرض مسرحي له في 1871 وهي مسرحية «الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح» وهي أول مسرحية سورية وعربية، وقدم بعد ذلك مسرحيات وتمثيليات ناجحة، وفي عام 1879-1880 ألف فرقته المسرحية وقدم في السنوات الأولى نحو 40 عملاً مسرحياً، وسافر «القباني» إلى مصر مع مجموعة من نحو 50 من الفنانين والفنانات السوريين، منهم «جورج ميرزا» و«توفيق شمس» و«موسى أبو الهيبة» و«راغب سمسمية» و«خليل مرشاق» و«محمد توفيق» و«ريم سماط» و«إسكندر فرح» وغيرهم، وسافر «القباني» إلى مدن سورية ومصر وأميركا وعاد إلى دمشق وتابع عروضه المسرحية حتى مات في 1903 ودفن في دمشق.

المعلم الأول

إسكندر فرح من أهم رواد المسرح السوري، ولقد عمل مع «أبو خليل القباني» وكوّن بعد ذلك فرقته المسرحية الخاصة، وكان المعلم الأول للكثير من رواد المسرح في سورية ومصر، ولد في دمشق عام 1851 وتوفى في1916 وقدم مسرحيات مهمة في تاريخ المسرح السوري والعربي مثل «شهداء الغرام- صلاح الدين- مملكة أورشليم- مطامع النساء- حسن العواقب- اليتيمين- الولدان الشريدان- الطواف حول العالم» وغيرها.

الفرق المسرحية

في بداية القرن العشرين ظهرت فرق مسرحية سورية كثيرة، وذلك بعد فرقة «أبو خليل القباني» والرواد الأوائل للمسرح السوري، أخذت هذه الفرق تتزايد، وقدمت هذه الفرق المسرحية السورية كثيراً من المسرحيات العالمية، وعروضاً مسرحية كوميدية، واستعراضية، وغنائية، وسياسية، واجتماعية، ودرامية، وتاريخية، لمؤلفين سوريين وعرب كما قدمت مسرحيات مترجمة لروايات عالمية.

في إطار النوادي والمدارس

كان يعرض مسرحيات سماها بعض المثقفين السوريين بالمسرح الجاد، إلى جانب العروض المسرحية التي كانت الفرق التجارية تقدمها في أثناء حياة «القباني» وبعد رحيله، كما كانت هناك فنون شعبية مسرحية في سورية تقدم «فن القراقوز في المقاهي مع رقص، وقد نبغ في ميدان القراقوز الفنان «محمد حبيب» الذي كان يقدم فصولاً تمثيلية ورقصاً إلى جوار فن القراقوز، وظل يفعل هذا حتى انصرف تماماً إلى فن القراقوز، وكان «محمد حبيب» يقدم عرضين أو ثلاثة عروض في الليلة الواحدة في مقاه متعددة تتراوح بين المقهيين والثلاثة.
لقد كان في دمشق قبل الانتداب وبعده مقاه تعرض فيها عروض (الحكواتي، والقراقوز والصراع بالسيف والترس، والرقص) وهكذا، وإلى جانب القراقوز كان الفنانون المسرحيون الشعبيون من أمثال «جورج دخول» يشاركون في عروض مسرحية متنوعة في المقاهي والمسارح وكانت هذه العروض تتألف من الغناء وخاصة القصائد ومن الرقص الشرقي، كان غناء مع الراقصة الأولى ثم يأتي الفاصل الفكاهي الذي يقدمه «جورج دخول» الذي ابتكر لنفسه شخصية المهرج «كامل الأصلي» وهو مهرج يجمع بين الذكاء الفطري وبين الغباء، وتوقعه طيبة قلبه في الحرج في المواقف المختلفة ولكنه دائماً قادر على أن يخرج منها بسلام.
وإلى جانب «جورج دخول» كان هناك فنان شعبي آخر اسمه «جميل الأورغلي» وشهرته «كامل الأوصاف» وكان يقدم النمر الفكاهية في المسارح مثل نمرة «البوسطجي ومقالبه» ونمرة «المهراجا وعشيقته»، وكانت هذه النمر تقدم باللهجة الدارجة السورية وتعتمد على سوء التفاهم واللعب بالألفاظ، كما تعتمد على حركات الإضحاك، وكان كامل الأوصاف يرقص أحياناً رقصة «البالصة» وهي رقصة استعطاء من الجمهور تقدمها راقصة ما بين صفوف المتفرجين وليس على المسرح ومن ورائها ممثل هزلي يقلدها في حركاتها بشكل مضحك.

المسرح الجاد

كان بعض المثقفين السوريين يعتقد أن هناك هوة تفصل بين جهود المسرح الجاد وجهود المسرح التجاري، الذي كان يعتمد على الفنون الشعبية اﻟﻤﺨتلفة، ويبدو أنهم يعلون شأن المسرح الجاد الذي أخذ على مدى السنين يتحرر من سلطة الفكاهة والرقص والتهريج الشعبي وينصرف إلى ما يسمونه «المسرحية العادية»، أي التي لا تعتمد إلا الكلمة وحدها، غير أن هذه الهوة ما كان ينبغي لها أن تكون موجودة لو أن الفنانين الجادين الذين أتوا بعد «القباني» لم يتخذوا ذلك الموقف التقليدي، موقف احتقار الفنون المسرحية الشعبية، ولم يصروا على أن يقدموا فنهم الراقي الخالص الذي لا يشوهه فن القراقوز وفن المهرج وفن الممثل المرتجل، ذلك أن هذا الفن هو الذي وسع الهوة بين ما كان الشعب يعرفه ويريده وبين ما يود الفنانون الجادون تقديمه للشعب، على سبيل تعريفه بأفضل ما ظهر في المسارح العربية من موضوعات محلية وأخرى مترجمة أو مقتبسة عن أصول عالمية.
هذا الالتحام بين فن الشعب وفن مثقفيه لم يتم وهذا هو السبب الأساسي في تعثر النشاط المسرحي السوري طوال السنوات التي سبقت تدخل الدولة في عام١٩٥٩، من أجل هذا لم يتوافر طوال تلك السنوات الكاتب المسرحي الذي يعبر عن وجدان قومه تعبيراً عميقاً يؤهله لأن يصبح كاتبا قوميا، ولو أن مثل هذا الكاتب كان قد وجد لهداه حسه المسرحي المرهف إلى ضرورة الإفادة من فنون الشعب في مسرحياته.

حركة مسرحية

وأخذ يتكون للمسرح السوري الطاقم الفني اللازم لقيام حركة مسرحية، وأصبح ينتظر المؤلف المحلي الواعي القادر على أن يكتب نصاً مسرحياً قابلاً للتمثيل، هذا الكاتب تمثل في الفنان المسرحي الشاب «سعد اللـه ونوس» الذي قدم في ١٩٦٧ مسرحية «حفلة سمر من أجل ٥ حزيران» فافتتح بهذه المسرحية المهمة عهداً جديداً في المسرح السوري، كان «ونوس» قد كتب قبل هذه المسرحية خمس مسرحيات قصيرة هي (لعبة الدبابيس، والجراد، والمقهى الزجاجي، وجثة على الرصيف، والفيل يا ملك الزمان). كما كتب مسرحية طويلة من جزأين هما: «حكاية جوقة التماثيل» و«الرسول اﻟﻤﺠهول في مأتم أنتيجونا»، وهي أعمال تتسم بالتجريد والإغراق في استخدام الرموز والاعتماد على الأشكال المسرحية الغربية التي كان «ونوس» قد تعرف إليها إبان معاينته للمسرح الغربي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن