قضايا وآراء

أفكار غير متشائمة في عالم شديد التغير

| بقلم الدكتور قحطان السيوفي

كان الناس، سابقاً، يتبادلون في نهاية العام عبارات متفائلة وتمنيات لسنة جديدة سعيدة، لكن مع نهاية 2020 يلاحظ أن لهجة الناس أكثر تحفظاً، وتغلب على تمنياتهم عبارة «نأمل أن تكون السنة الجديدة أفضل».
عام 2020 كان عاصفاً ومختلفاً وتحول إلى تصادم بين أهمية التعاون والعمل الجماعي وبين الشعبوية التي دخلت القاموسين السياسي والاجتماعي، ورغم مغادرة صاحبها الرئيس الأميركي دونالد ترمب المنتهية ولايته وستبقى فكراً ظالماً سرق ثروات وآمال الشعوب.
كان عام 2020 مُريعاً، حمل معه الموت والاضطراب إلى المجتمعات في مختلف أرجاء المعمورة، وربما سيجري النظر إليه باعتباره العام الذي بدأ فيه النظام العالمي الذي قادته الولايات المتحدة بالتداعي، الأزمات التي شهدها عام 2020 خلقت أوضاعاً جديدة، ستُظهرها الأشهر المقبلة؛ ومن ملامحها المحتملة ما قد يجعلنا متطلعين إليها بنوع من الاستبشار الحذر في عالم شديد التغير.
قال عالم الفيزياء الدنماركي الحائز جائزة نوبل نيلز بوهر: «إن التوقع أمر في غاية الصعوبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستقبل» تحاول مراكز الأبحاث والدراسات مع بداية عام 2021 قراءة معطيات الواقع وأرقامه.
ثمة توقعات تتجه إلى الأسوأ، وثمة قراءات معاكسة لها ترى أن انفراجات ما تلوح في الأفق، تنامي خطر نشوب مواجهات سياسية واقتصادية بين قوى كبرى ما زال قائماً، وقد يدفع باتجاه صراعات عسكرية، ناهيك عن تداعيات التغير المناخي، المخاطر السياسية والاقتصادية والبيئية، وقد يكون سنة المعركة الأهم للبشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كان العالم وقف شبه عاجز خلال العام المنصرم عن السيطرة على كورونا، إلا بفرض إجراءات الإغلاق وارتداء الكمامات، وسيدخل العام الجديد متسلحاً بسلاح اللقاحات التي يؤمل أن تسيطر على الفيروس وتمنح الناس المناعة اللازمة.
يتوقع البنك الدولي أن يبلغ النمو العالمي 2.5 بالمئة في عام 2021، وأن يغرق 150 مليون شخص في الفقر المدقع بسبب الركود الاقتصادي، ولا يتوقع أن تنمو الدول التي تضم أكبر نسبة من الفقراء في العالم اقتصادياً بشكل أسرع من نمو عدد سكانها.
2021 سيكون جزءاً من عصر الأزمة الاقتصادية، وأزمة عدم المساواة، وأزمة التوظيف وأزمة المناخ مع توقعات قلقه من حصول ركود أسوأ من ذلك الذي تلا الأزمة المالية في 2008.
في الولايات المتحدة، من المتوقع أن ينخفض النمو من 2.2 في المئة في 2020، إلى 1.7 في المئة في 2021.
في الهند من المقدر أن يبلغ النمو 6.5 في المئة في 2021.
ومن المتوقع أن يشهد النمو في الصين بعض الهبوط التدريجي ليبلغ 5.8 في المئة في 2021.
توقعات البنك الدولي تشير إلى أن في نيجيريا والهند وجمهورية الكونغو الديمقراطية – الدول الثلاث التي نقدر أنها تضم أكثر من ثلث فقراء العالم – معدلات نمو للفرد في إجمالي الناتج الداخلي الحقيقي نسبتها -0. 8 في المئة و2.1 و0.3 بالمئة على التوالي.
في بداية عام 2021 من المفيد أن نأخذ بعين الاعتبار مستجدات منها؛ أحدث الإعلان عن تطوير لقاحات لفيروس كورونا اطمئناناً لإمكانية السيطرة على الوباء. وتشير الأرقام إلى أن ما سيُنتج العام الجاري من جرعات اللقاح حجزت الدول المتقدمة منها 3.5 مليارات جرعة لتلقيح مواطنيها.
أيضاً إعادة تشكيل معالم العولمة وكذلك تراجع الانبعاثات الضارة بالبيئة والمناخ بنحو 7 في المئة، بسبب تعطل جزئي في النشاط الاقتصادي وحركة النقل والسفر.
كما يُتوقَع أن تستمر أسعار الفائدة على العملات الرئيسة في مستوياتها المنخفضة لفترة لتعين التعافي الاقتصادي من حالة الركود الراهنة.
هل يكون عام 2021 عام الحلحلة والانفراجات؟
هذه الأزمة هي اختبار ضغط للجميع، للحكومة والسلطات والعائلات والشركات والصناعات وللكفاءات القيادية، للنجاح في هذه المعركة يحتاج العالم إلى أمرين؛ الأول، نشر الوعي وطمأنة الناس بشأن سلامة اللقاحات. الأمر الثاني توفير اللقاحات لكل الدول بما في ذلك الدول الفقيرة.
وهذا سيكون الحدث الأهم في المعركة ضد كورونا التي ستكون لها تداعيات مهمة على مسار الاقتصاد العالمي للانطلاق في سكة التعافي التي قد تستغرق أكثر من العام الحالي.
التعافي يتم بتحريك الاقتصاد العالمي، لتعود عجلة التجارة والإنتاج إلى العمل بكامل طاقاتها. وقد يظهر التعافي المرجو في العام الجديد، عسى أن يتم تعويض الخسائر قدر الإمكان أولاً، وصيانة المجتمعات من كل الآثار السلبية لهذه الجائحة. دون أن ننسى، أن دولاً عديدة تحتاج أكثر من غيرها إلى المساعدة المباشرة بسبب أوضاعها الاقتصادية السيئة.
ستضطر الحكومات إلى إنفاق مزيد من الأموال ما يجعلها تقترض أكثر ليرتفع مستوى العجز والدين العام. ويحذر البنك الدولي من ظهور جيل جديد من الفقراء وفوضى في سوق الديون طوال السنوات الأربع الأخيرة، حيث مارست إدارة ترمب سياسات متذبذبة وظالمة على المستوى الدولي.
الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة بيّنت أن مؤسسات الديمقراطية الأميركية تواجه اختباراً صعباً أمام هجمة متعددة الرؤوس، خلفها: الشعبوية السياسية، والتعصّب العرقي وآخرها اقتحام أنصار الرئيس ترامب الغوغائي لمقر الكونغرس الأميركي، لكن يبدو أن الصورة قد تختلف مع مغادرة ترمب ومجيء جو بايدن إذ يأمل العالم أن ترتكز سياسته على التعاون الدولي والتخفيف من ظلم الشعوب وإنهاء احتلال أراضي الدول وسرقة ثرواتها وعدم دعم الإرهاب ومموليه.
ستكون 2021 سنة صعود الصين، وانتهاء الأحادية القطبية، إذ لا يجادل كثيرون في أن الصين تشكّل اليوم التحدّي الأكبر للولايات المتحدة، مشاريع الصين وخططها الاستثمارية والتنموية، في الداخل والخارج، منها مبادرة «الطريق والحزام» العملاقة التي ستشق طرق التجارة والنفوذ الصينيين عبر آسيا والمحيط الهندي إلى أوروبا وإفريقيا.
خلال عام 2021، سنشهد المزيد من الابتكارات في مجالات بارزة.
أولها ثورة في عالم الدواء، مع تقدّم اختبارات «كوفيد – 19» وتطوّر اللقاحات، ثانيها التوسّع المستمرّ للعمل عن بُعد، والاجتماعات التي تُعقد عبر اتصالات الفيديو، ثالثها استمرار خدمات التوصيل والشّحن الخالية من الاحتكاك.
رابعها ازدهار العناية الصحية والخدمات الطبية الافتراضية لتخفيف خطر التعرّض لعدوى كورونا، والتشخيصات التي تعتمد على الذكاء الصناعي.
وفي عام 2021، من المتوقّع أن يشهد تقدّماً في التقنية الحيوية والذكاء الصناعي.
ستنخفض التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون والمغتربون إلى دولهم بنسبة 14 في المئة بنهاية عام 2021.
يبدو أن قواعد اللعبة السياسية تتغير، ما يعني أن تموضعاً جديداً للسياسة الدولية قد يؤدي لحدوث تغير حقيقي قادم، سواء للتصعيد أم التهدئة.
أخيراً، مع بداية عام 2021 هذه أفكار غير متشائمة كثيراً وربما من المفيد التفاؤل والاستعداد الدائم لعالم شديد التغير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن