قضايا وآراء

ترامب لم يحقق إلا ابتزاز أموال النفط العربية

| تحسين الحلبي

لا يمكن القول إن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب اختلف في سياساته الخارجية العدوانية في العالم وخاصة في الشرق الأوسط عن أي رئيس أميركي باستثناء أنه جرب ما لم يجربه من سبقه من الرؤساء واتبع تكتيكاً وطرقاً مباشرة ووقحة جداً مع حلفائه بشكل خاص، وضد المناهضين لسياسته بشكل عام لتحقيق المصالح الامبريالية الأميركية.
فبعد أن هيأ له الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وحلفاؤه في المنطقة منذ عام 2009 حتى عام 2016 ظروفاً فرض فيها عدواناً مباشراً غير مسبوق على سورية وحصاراً واسعاً عليها وعلى إيران إلى حد كثف انشغال قوى هذا المحور بالتصدي لهذه الحرب الكونية، اعتقد ترامب أن الوقت حان لفرض شرق أوسط جديد على طريقته لتوسيع مصالح أميركا وحماية إسرائيل فاتبع طريقة جديدة لزيادة سلب ما أمكن من أموال دول النفط العربية وخاصة السعودية التي طالبها بـ500 مليار دولار مقابل موافقته على إجراء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تغييراً لقواعد لعبة تداول الحكم الملكي بتعيين ابنه وليا للعهد في أول زيارة له، ثم فرض على السعودية شراء أسلحة أميركية بمئات المليارات الأخرى.
لقد وجد أن هذه الطريقة المباشرة الاستعبادية لاستغلال الدول الحليفة تشكل ثمناً علنياً لحماية أنظمتها فانتقل إلى كوريا الجنوبية واليابان وطلب من الأولى ثمناً إضافياً مضاعفاً مقابل وجود قواته في الخط الفاصل عن حدود كوريا الديمقراطية، فأصبح الثمن 8 مليارات دولار سنوياً بدلا من أربعة، وانتقل إلى ابتزاز اليابان التي فُرض عليها منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية نشر عدد من القوات الأميركية في جزرها. ويبدو أن هذه الطريقة أعجبته فانتقل إلى الشرق الأوسط بحملة إرهابية سياسية مباشرة متحدياً فيها كل العالم الإسلامي وخاصة الدول العربية والإسلامية الحليفة له من السعودية حتى أندونيسيا وباكستان حين أعلن أن الولايات المتحدة تعطي إسرائيل القدس الشرقية المحتلة منذ عام 1967 لضمها إليها كعاصمة لها ونقل السفارة الأميركية اليها. وأعقب هذا الإعلان بعد فترة اعترافه بضم الأراضي العربية السورية المحتلة في الجولان وبضم ما ترغب فيه إسرائيل من المستوطنات في الضفة الغربية، فكان أول رئيس أميركي يتجرأ على تنفيذ توصيات أقرها الكونغرس منذ عقود بضم مدينة القدس العربية لإسرائيل والتي اعتاد الرؤساء الأميركيون إرجاء تنفيذها خشية عدم تحمل الولايات المتحدة مضاعفاتها وردود أفعال حلفائها من الدول الإسلامية فوجه بهذا الإجراء ضربة لحلفائه.
لقد تبين أن هذه الدول لم تبال بهذا الإجراء بل عززت تحالفها مع ترامب، ولم يندد بهذا القرار ضد الولايات المتحدة ويعلن تصديه له سوى الدول العربية والإسلامية المناهضة للهيمنة الأميركية واعتداءاتها على الحقوق العربية والإسلامية.
يعترف معظم المحللين الأميركيين أن ترامب فرض مصالح أميركية كبيرة على الدول الحليفة له، لكنه لم يستطع فرض أي إنجاز أو مصلحة أميركية على الدول غير المتحالفة معه ولا على الدول المتصدية لسياساته، ففي سورية وإيران والعراق ولبنان واليمن تلقى ترامب هزيمة واضحة لأن سورية تمكنت خلال إدارته منذ عام 2016 حتى عام 2020 من استكمال تحرير معظم الأراضي التي انتشرت فيها المجموعات الإرهابية التي كان ترامب يقدم الدعم لها، ثم تمكنت سورية وحلفاؤها من محاصرة مجموعات «قسد» رغم الدعم العسكري الأميركي المباشر لها من الوحدات العسكرية الأميركية التي اخترقت الأراضي السورية في عهد أوباما، وحاول ترامب سحبها والتخلي عن دورها، كما تمكنت إيران من الصمود أمام حصار ترامب وزادت من قدراتها في دب الرعب بالقوات الأميركية بعد هجوم إيران الصاروخي على القاعدة الأميركية في داخل العراق دون رد أميركي، كما أخفق ترامب في ردع كوريا الديمقراطية التي تمسكت بسياستها العسكرية والنووية.
أصبحت الحقيقة التي يتداولها المحللون الأميركيون هي أن ترامب لم يحقق أي نجاح في مشروعه السياسي خلال أربع سنوات إلا بابتزاز حلفائه من الدول العربية التي تقيم فيها الولايات المتحدة قواعد عسكرية وتسيطر على حركة أموالها وخلف وراءه مرحلة تجد فيها الولايات المتحدة نفسها في وضع أضعف من أي وقت مضى في ميدان السياسة الخارجية والداخلية وبخاصة بعد مماطلته بتسليم الحكم للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدين ومحاولة عرقلة انتقاله للحكم عن طريق تشجيع ترامب لأنصاره بمهاجمة مقر الكونغرس في واشنطن العاصمة، ولذلك يمكن أن يطلق على ترامب صفة الرئيس الذي لم تنجح سياسة الابتزاز المالي والسياسي التي اعتمدها إلا مع أضعف الضعفاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن