قضايا وآراء

قمة العلا: وجوب تراصف البيادق

| عبد المنعم علي عيسى

يمكن القول إن القمة التي اختارت المملكة السعودية عقدها في مدينة العلا شمال غرب البلاد في الخامس من الشهر الجاري، كانت ذات دلالات عدة من ناحية الاستثمار السياسي، حتى الجغرافيا كان فيها استثمار، فالمدينة هي أول موقع تاريخي تدرجه منظمة اليونسكو على موقع التراث العالمي بالمملكة، وتلك إشارة تريد التذكير بإرث حضاري يبتعد عن إرث التطرف الذي تجد هذي الأخيرة نفسها متهمة بتصديره إلى شتى أنحاء العالم، تارة بالتنسيق مع خارج يجد فيه حالة احتياج تلبي مطالب معينة، وطوراً عندما ينفلت عقال «المارد» من قمقمه فيصبح الأمر خارج السيطرة، بل مبعثراً لأوراق الحسابات بما لا يحقق المرامي، وهذا مهم في ظل ترقب متغير أميركي سيحمل قريباً الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى سدة السلطة في واشنطن، حيث المؤشرات توحي بإمكان العودة إلى «قانون جاستا» الذي أقر زمن سلفه الديمقراطي باراك أوباما، ثم طواه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب بـ450 مليار دولار عاد بها إلى بلاده بعد أول زيارة له للملكة ربيع العام 2017.
في البعد السياسي، تبدو المصالحة الخليجية التي شهدتها تلك القمة، فعلاً بإملاء خارجي اقتضته مرحلة حساسة كان عنوانها الأبرز تهيئة الأرضيات الخصبة لهرولة عربية نحو إسرائيل، والتي كانت الأشد غرابة في طبعتها الثالثة المتمثلة بالاتفاقات الموقعة بين الأخيرة من جهة، وبين الإمارات والبحرين والسودان والمغرب كلٌ على انفراد من جهة أخرى، إذ لا جديد حاصلاً داخل البيت الخليجي يمكن اعتباره موجباً لتلك المصالحة، فلا المطالب الثلاثة عشر التي حددتها الدول الأربع: السعودية والإمارات والبحرين ومصر، بعيد الأزمة المنفجرة في 23 أيار 2017، والتي قادت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة في 5 حزيران من العام نفسه، تحققت، بل لم يتحقق أيٌ منها على الإطلاق، ولا الدوحة بوارد تغيير تموضعها لاعتبارات عديدة، فما الذي استوجب الحدث؟ بمعنى ما جدوى المصالحة في ظل عدم حصول تقدم على سكة المطالب، مع انعدام فرص حدوث متحول قطري؟
بإيجاز، يمكن القول إن إملاء الخارج وضغوطه دفع نحو القبول بعلاقة راهنة هي أقرب ما تكون إلى توصيف «غرام الأفاعي»، حيث يقوم الأول بلدغ الآخر ليعطيه الترياق، الذي يمثله هنا الاتفاق على فتح المملكة لحدودها البرية والجوية والبحرية مع قطر، لكن ذلك الفعل يعطيه، أي يعطي الأول، فرصة لكي يلف جسمه حول رقبة الآخر، الأمر الذي يمثله هنا مرمى الرباعية الذي هدفت إليه من خلال ذلك الفعل الذي ترى فيه طريقاً محتملاً لـ«ردع» إيران، التي وصف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برنامجيها النووي والصاروخي بأنهما يمثلان «تهديداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي»، وسحب البساط من تحت أقدام تركيا المتمددة مؤخراً بقاعدة عسكرية أقامتها على الأراضي القطرية بعيد أزمة الدوحة مع جارتها الخليجيات الآنفة الذكر.
إذاً التفكير الراهن الآن يتمحور حول محاولة الالتفاف على الدوحة بعدما فشلت الضغوط والحصار في تحقيق اختراق أياً يكن حجمه، وبعدما تأكد أن الولايات المتحدة لن تمضي في خياراتها إلى زعزعة استقرار السلطة في قطر، بل لن تمضي أيضاً إلى تغيير يجري داخل الأسرة الحاكمة كما حصل في العام 2013 الذي قاد إلى تنحي حمد بن خليفة عن الحكم لمصلحة ابنه تميم، تعبيراً عن عزم واشنطن آنذاك انفكاكها عن المشروع الإخواني، حيث الفعل كان يمثل اتخاذاً لعلاقة من طبيعة أخرى لكن دون إلغاء تام للمشروع أقله مرحلياً نظراً لاحتياجات كانت ملحة في سورية وليبيا.
الآن وقريباً من تهيئة أرضيات الزحف نحو إسرائيل، ترى الرياض أن وحدة الصف الخليجي، وعودة قطر إلى صفوف تلك الوحدة، له إثر إيجابي على كيانها الذي تراه على موعد مع أعاصير مقبلة تلوح تباشيرها في توجهات إدارة جو بايدن المقبلة، ثم إن هذا الأخير قد يسعى إلى تثقيل الدور القطري الذي سيكون على حساب نظيره السعودي إذا ما أراد قولبة السياسات السعودية ووضعها في «كرفانات» يسهل أخذها إلى حيث يريد القائم بالفعل، وعليه فإن التقارب السعودي مع قطر يصبح ضرورة استباقية لاحتمالات كهذه.
حسابات الحقل السعودية السابقة الذكر لن تنطبق في أغلبيتها مع حسابات البيدر، فالأزمة الناشئة مع الدوحة قبيل نحو 44 شهراً تركت ندبات من نوع لن يندمل، كان أبرزها محاولات إسقاط عرش الأسرة الحاكمة، أو فرع منها على الأقل عبر الاستقواء بفرع آخر، وهذا يضع تلك العلاقة، جنباً إلى جنب تحفز الدوحة لـ«أخذ نفس» متوقع حصوله قريباً بعد «غطسة» عميقة، في حيز يصعب فيه رؤية تناغمات يمكن أن تفضي إلى حال استعادة الخليج لمركز الثقل العربي الذي حط رحاله فيه منذ أواخر العام 2010، الأمر الذي كان سبباً يبرر الانهيارات الحاصلة على امتداد المنطقة برمتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن