قضايا وآراء

سورية بين التحديات والفرص

| بقلم د. بسام أبو عبد الله

انشغل أغلبية المحللين والكتاب خلال هذه الأيام وما يزالون بالحدث الأميركي، أي فوز جو بايدن واستعصاء دونالد ترامب، والهجوم على مبنى الكونغرس بتاريخ 6 الشهر الجاري، وردود الأفعال العديدة داخل أميركا وخارجها، وبالرغم من أن هذا الحدث يعتبر تاريخياً ومفصلياً وله انعكاسات وتداعيات لن تنتهي بتسلم الرئيس المنتخب بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة، لكن الأهم بالنسبة لنا هنا ليس الشماتة بسقوط الرئيس الأميركي المنتهية ولايته ترامب، ومجيء بايدن، إذ إن التجربة علمتنا أن الفرق بين جمهوري وديمقراطي، هو كالفرق الذي كان البعض يتحدث عنه بين الليكود والعمل في كيان الاحتلال، أو كالفرق بين العمال والمحافظين في بريطانيا، وإذا كان البعض من المختصين قد يجادلون في هذا الأمر بأن هناك فروقاً بين هذه الاتجاهات، وهي فروق بين السيئ والأسوأ، والأكثر سوءاً، أقول نعم هي الأمور كذلك، ولكن السؤال الأهم: ماذا نحن فاعلون؟
من الواضح تماماً أن الأعداء الذين يشنون هذه الحرب الفاشية علينا منذ سنوات عشر، حيث في آذار القادم سنُتم السنوات العشر، لن يتوانوا عن تنفيذ المزيد من الخنق الاقتصادي، والاستنزاف عبر داعش مؤخراً، وضرب الاستقرار الأمني الذي تحقق خلال السنة الأخيرة، وتطبيق الحصار المشدد من خلال أدواتهم الداخلية مثل ميليشيا «قسد»، أو عبر دول الجوار ومنع نقل المشتقات النفطية، والحصار المصرفي والمالي عبر لبنان والأردن والعراق، والظاهر لنا من خلال الاطلاع على كل الدراسات التي ينشرها أتباع بايدن، أن لا تغيير جوهرياً في السياسة الأميركية تجاه سورية، ولا يحق لنا العيش على الأوهام، بل لابد لنا من العمل على تغيير واقعنا بأيدينا دون انتظار الحلول من أعدائنا من خلال تحديد التحديات التي تواجهنا، والفرص المتاحة والممكنة التي تعزز ثباتنا وعوامل قوتنا وتزيل نقاط ضعفنا، ودعوني أحدد بعض التحديات التي تواجهنا:
1- التحدي الاقتصادي، والمتمثل بعمل الولايات المتحدة على تشديد الحصار، وهذا لا يختلف عليه الديمقراطيون أو الجمهوريون، والأكثر خطورة هو عمل واشنطن على ربط المناطق المحتلة في سورية وهي شمال شرق البلاد والجزيرة السورية بها اقتصادياً، والسماح للشركات الغربية بالعمل هناك في محاولة لقطع تواصلها الاقتصادي مع الدولة السورية، وخلق «شمال عراق جديد» أو «كردستان سورية» كما هو المخطط الأصلي.
2- ضخ الأموال، والمغريات للمواطنين السوريين من خلال سرقة أموال النفط، وتوزيع جزء منها على المواطنين والقول لهم «هذا هو نموذجنا الجديد) وعليكم الاختيار بين الحصار والعقوبات، والحياة القاسية، وبين الحصول على حياة كريمة مفترضة، بهدف تعزيز السلوك الانفصالي وخلق واقع جديد سياسي اقتصادي اجتماعي، يصعب علينا تجاوزه مستقبلاً أو التفاوض من منطلق أقوى على الأرض حين يحين الوقت، وتحويل هذه الورقة إلى ورقة للمساومة مع الدولة السورية.
3- التصدي الروتيني للمشاكل والتحديات وبقاء تفكيرنا داخل الصندوق القديم وديناميات التصدي للصعوبات بطيئة وكلاسيكية دون اجتراح الحلول الإبداعية والابتكارية من خارج الصندوق، إذ لا يمكن في الظروف الاستثنائية العمل بطرق غير استثنائية.
4- تحدي انتشار الفساد وتمركز الثروات في أيدي فئة محدودة، دون إعادة ضخها بشكل أكثر عدالة.
5- التحدي المرتبط بالانتماء والهوية والمفاهيم الجديدة، وتجديد الخطاب السياسي والحزبي والاقتصادي القادر على الإقناع، وليس الخطاب الشعاراتي الذي لن يقنع أحداً بعد الآن.
6- التحدي المرتبط بخلق فرص العمل للشباب من خلال المشروعات المتوسطة والصغيرة التي تتطلب مقاربات أكثر مرونة من القطاعات الحكومية المعنية.
نستطيع أن نعدد عشرات التحديات الماثلة أمامنا منها الاجتماعية، التربوية، التعليمية… الخ، ولكن السؤال المهم الآخر الذي يجب أن ندركه أننا نعمل في ظروف استثنائية، وموارد محدودة، ونواجه أعداء أقوياء، وعلينا أن نكون بحجم هذه التحديات التي بالتأكيد ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة إذا سخرنا كل إمكاناتنا وعقولنا، وفكرنا بطرق جديدة ومبتكرة، هدفها العنب وليس قتل الناطور، كما يفعل الكثيرون حين تناول أي مشكلة إضافة للتعاطي بطاقةٍ إيجابيةٍ، والابتعاد عن التشاؤم والسلبية، وقتل الأمل.
ضمن هذا الإطار فإن مجمل التحديات السابقة تخلق فرصاً جديدة، وقابلة للتحقيق، إذا أحسنا استغلالها، ومن هذه الفرص:
1- العمل على تعزيز جبهتنا الداخلية، من خلال توسيع أفاق الحوار، الإشارة لنقاط قوتنا لتعزيزها، ونقاط الضعف لمعالجتها، وبالمناسبة الإشارة إلى النقاط السلبية ليست دليل ضعف، بل دليل قوة لأن الرسالة هي معالجتها، وهنا لا يجوز أن نلقي كامل المسؤولية على الدولة، ومؤسساتها، وإنما هناك دور للفرد، والمجتمع، ليطرح السؤال التالي: ما المطلوب مني القيام به؟ وهل أنا لا شيء ولست قادراً على القيام بأي شيء؟ أم إنني فاعل، ومؤثر، وقادر على إحداث تغيير ولو على نطاق ضيق؟ إن الداخل هو الأهم والأساس بالنسبة للمستقبل.
2- ضرورة إدراك أن التحولات في العالم كثيرة، وعديدة، وهي تسير باتجاه يخدم مصالحنا، وصمود شعبنا، وتضحياته التي لن تذهب هدراً وهذه التحولات بالطبع لا تعني أبداً ألا نغير، أو نتغير، فما حدث في سورية يجب أن يدفعنا لاستغلال فرصة تاريخية لإحداث التغييرات التي تحقق طموحاتنا، وتأخذ بالاعتبار الأجيال الصاعدة، وطرق تفكيرها، والتحديات الماثلة أمامها، وما كان يصلح قبل عشرين عاماً مثلاً، لا يصلح الآن، فالعالم يتغير، ومواطنونا يتغيرون وهذه هي طبيعة الحياة.
إنّ مجمل ما أشرت إليه ليس إلا ومضات سريعة نعيد التأكيد عليها كلما سنحت الفرصة، فالتحديات كبيرة وعديدة، والفرص متاحة وممكنة، وبقدر ما يشعر الكثيرين الآن بحجم الضغط الهائل الذي يتعرض له شعبنا، وبلدنا، فإنني أشعر أن أبواباً كثيرة سوف تفتح في عام 2021، وهذه الأبواب التي ستفتح ليست منة من أحد، إنما هي نتيجة للصمود الأسطوري للشعب، والجيش، والقائد، وأما أولئك الذين ما زالوا ينتظرون انهيارات، ويعولون على ترامب، أو بايدن، ويرسمون أحلاماً وردية، فعليهم أن يقرؤوا أطناناً من الدراسات التي توقعت انهيارنا منذ عام 2011، وما زالوا ينتظرون الدراسات، والتوقعات، والأوهام التي يبيعها لهم البعض، وعليهم أن يدركوا أننا نعرف حجم التحديات، وهي هائلة، ولكن أمامنا فرصاً عديدة إن استثمرناها فسوف تخفف الآلام وتفتح بوابات للمستقبل، وعلى الواهمين ألا يُصدموا بما سيحصل في مستقبل ليس ببعيد.
ما أقوله ليس أوهاماً، وليس تحذيراً لأحد إنما هو قراءة للواقع والتحولات، وهذا لا يعني أبداً إلا المزيد من العمل، والجهد، والاعتماد على الذات.
هذا هو الدرس الأهم بعد سنوات عشر من الحرب علينا، وهي الفرصة الأهم التي يجب أن نستثمرها من أجل المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن