قضايا وآراء

إيران وتنظيم القاعدة: استباق أحداث أم تصفية حساباتٍ أميركية ؟

| فرنسا- فراس عزيز ديب

هل انتهى حبسُ الأنفاس؟ هل تجاوز هذا الشرق البائس خيارات الحرب بعد التصعيد الكلامي والعسكري تحديداً بين إيران والولايات المتحدة الأميركية؟ هذه الأسئلة وغيرها طُرحت بكثافةٍ في الأسبوع الماضي، تحديداً مع تبقي أيام قليلة على انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن ما جعل التخوفات ترتفع بتوقع تصعيدٍ ما هو كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة، وللإجابة عن هذه التساؤلات لابدّ من مراجعة تبدو ضرورية في سياق الأحداث.
في التجربة العملية فإنّ قيام الولايات المتحدة باتهام أي دولةٍ بالعلاقة مع تنظيم القاعدة هو تمهيدٌ لعدوانٍ ما عسكري أو بسلاح الاقتصاد وقوت الأبرياء، على هذا الأساس بدا إسهاب بومبيو بشرح ما سماها حقائق وكأنهُ تسويغ لحماقةٍ ما، بل هناك معلومات صحفية ذهبت أبعد من ذلك بالقول إنّ قرار ترامب بمهاجمة مواقع إيرانية اتخذ فعلياً لكن البنتاغون قامت بلجمه، بمعنى آخر: بدا العدوان الذي استهدف منطقة البوكمال قبل أربعة أيام وبعد ساعاتٍ من كلام بومبيو، أشبه بصورةٍ مصغّرة عن القرار الأساس، فتحول العدوان من هدية إلى جائزة ترضيةٍ لبنيامين نتنياهو تعويضاً عن عدم الذهاب في المغامرة الشاملة، حتى كلام بومبيو عن معلوماتٍ استخباراتية أميركية كانت أساس هذا العدوان، جاء لتأكيد الدور الأميركي المباشر.
هذه الرواية قد تحتاج إلى توثيق، لأننا في المنحى المعاكس علينا أن نتذكر بأن العلاقة بين ترامب والبنتاغون ليست بالجيدة، فهل حاولت البنتاغون عبر تسريبه خبر رفض تنفيذ الأوامر الترامبيبة وإبلاغهُ الكيان الصهيوني بذلك، تسليف الإيرانيين موقفاً مجانياً على حساب ترامب لا أكثر؟
كذلك الأمر فإن البنتاغون تعي تماماً أن فكرة قيام ترامب بتوريط الأميركيين بالحرب قبل رحيله، وتسليف خلفه جو بايدن صداماً عسكرياً، قد تتجاوزه إيران بطريقةٍ عملية عبر الرد في عمق الكيان الصهيوني، لا استهداف القواعد الأميركية، وهي قادرة على ذلك.
على هذا الأساس لا تبدو الاتهامات الأميركية للعلاقة بين إيران والقاعدة، مرتبطة بأي طموح عسكري، اتهاماتٌ لا تتعدى فكرة الصراع الداخلي السياسي في الولايات المتحدة وفتح الأوراق وتسجيل النقاط لكلّ الأطراف، هذا الأمر لا يتجسد في العلاقة بين بايدن وترامب فحسب بل يعود بنا للعلاقة بين الرئيس السابق باراك أوباما ودونالد ترامب، هو أسلوبٌ تعتمده الطبقة السياسية في أميركا، يهدف إلى تكبيل أي إدارة قادمة عبر كشف بعض الأوراق، وهو ما حدث فعلياً مع أوباما، فترامب ومعه نتنياهو لن ينسيا لهُ ما يسميانها «سقطة التوقيع» على الاتفاق النووي مع إيران، والحديث عن دعم إيران، التي وقع معها أوباما الاتفاق النووي، لتنظيم القاعدة، لا يخرج عن هذا السياق، لكنه يحتاج للعودة سنوات إلى الوراء حتى تتضح الفكرة أكثر، فكيف ذلك؟
في مطلع شباط من عام 2009 زار دمشق وفدٌ أميركي يضم مجموعة خبراءٍ من «المعهد الأميركي للسلام» برئاسة ألين لايبسون، وهي كانت مستشارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، التقى الوفد الرئيس بشار الأسد، يومها لم يُحكَ الكثير عن هذا الاجتماع، فأوباما كان قد وصل إلى كرسي الرئاسة للتو، وكذلك الأمر فإنّ الشرق لم يكن بائساً، بل العكس فإن الرئيس الأميركي عرف يومها مفاتيح هذا الشرق، وبعكس زيارة كولن باول الشهيرة لسورية عقب الاحتلال الأميركي للعراق وما تضمنهُ من رسائل تهديدٍ مبطنة وعلنية، فإنّ هذا اللقاء أعطى فكرة عما يطمح إليه أوباما، وبذات الوقت كان الانفتاح بالاتجاه السوري يجري باتساقٍ مع الانفتاح بالاتجاه الإيراني، تحديداً حول إمكانية التعاون والالتقاء في الملف الأهم حينها، انسحاب القوات الأميركية الآمن من العراق.
كانت سورية ولاتزال، تعاني من الاتهامات الأميركية التي لا تنتهي حول دعمها لتنظيمات إرهابية، القضية ليست مرتبطة فقط بالحديث عن حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، فالأميركي كان يسميها جميعاً حركات إرهابية بما فيها تنظيم القاعدة. تعويم هذه الاتهامات كان له صدى إعلامي في إسرائيل، تحديداً أن العلاقة بين نتنياهو وأوباما لم تكن يوماً تحمل المودة، وكان الإسرائيليون يتوجسون من انفتاحٍ كهذا حتى بدأت رحلة الربيع العربي وما حملهُ من بحرٍ للدماء في المنطقة، فهل يمكننا القول بأن مساعي أوباما اصطدمت باللوبي الرافض لأي فكرة انفتاح على سورية، لإدراكهم صلابة موقف قيادتها وأهمية موقعها كحجر أساسٍ للفكر المقاوم على تخوم فلسطين المحتلة؟
على الجانب الإيراني كان الأمر مختلفاً، هناك أكثر من سببٍ كان يمنع الأميركيين من مجرد إلقاء تهمة دعم تنظيم القاعدة على الإيرانيين، لعلّ أهمها «التضاد المذهبي»، فاستعاضوا عنها بتهم متعلقة ببرامج تصنيع السلاح النووي. لكن هناك من كان يحاول ضرب هذه الفرضية عبر تذكير الأميركيين بأن الالتقاء بين تنظيم القاعدة والإيرانيين ممكن واستشهد بأمرين:
الأول هو دور ما لطهران في أفغانستان، لكن هذا الدور لا يمكن تحميلهُ أكثر مما يحتمل، فأفغانستان كانت خاصرة رخوة للإيرانيين خلال الصراع العسكري الذي مزق البلاد، ومن الطبيعي أن تحاول إيران الدفاع عن حدودها حتى لو اضطرت للتواصل مع جميع الأطراف، ألم توقّع الإدارة الأميركية ذات نفسها اتفاقاً مع «عدوها» الأول هناك حركة طالبان؟!
الأمر الثاني هو العلاقة التي تربط بين إيران وحركة الإخوان المسلمين الإرهابية، هذه العلاقة لم تعد خافية على أحد، لكن في الوقت الذي تمتلك فيه إيران علاقة كهذه، فعلينا أن نتذكر بأنّ قادة هذه الجماعة المجرمة يعيشون في الدول الأوروبية، أما الكلام الذي يكرره البعض من باب الدفاع عن هذه العلاقة بهدف تخفيف حدة التوتر المذهبي في المنطقة، فبدا أشبه بنكتةٍ سمجة، ففكرة الصدام المذهبي في المنطقة سقطت على أعتاب سورية، حيثُ كان هناك من يرى بأن تقطيع الأوصال السورية خلف المتاريس الطائفية هو الشرارة الأولى لهذه الحرب، لكن كل هذا سقط بفضل وعي الشعب السوري وتضحيات جيشه والقرارات التي اتخذها الرئيس بشار الأسد.
تجاوز باراك أوباما، يومها كل العقبات في وجه التوقيع على الاتفاق مع إيران، كانت الفكرة منطقية بالنسبة له: إذا كان الإسلام السياسي قادراً على أن يخلق جبهة تؤمن السلام في هذا الشرق بأقل الخسائر، فلم لا؟ هذا الكلام لا يطمئن الإسرائيلي ولا يطمئن بنيامين نتنياهو تحديداً الذي بدا وكأنه بحاجةٍ دائمة لصراعٍ وتهديداتٍ ما، وهو ما افتقدهُ خلال ولاية أوباما ولا يريد أن يفتقده خلال ولاية بايدن؟
في الخلاصة، لا حرب، وتبدو هذه الاتهامات المصوبة نحو إيران وعلاقتها بتنظيم القاعدة جزءاً من العصي التي يتم تجهيزها لتوضع في عجلات الإدارة الأميركية القادمة لا أكثر، إذ إن بعض التعيينات بدت كأنها تقلق بنيامين نتنياهو، بل علينا التأكد بأن نتنياهو سيواصل خلال الساعات الأخيرة من عمر ولاية ترامب الغارات الاستعراضية في سورية، فهل سنرى كشفاً للمزيد من الحقائق؟
لم لا؟ قد نرى الكثير من الأمور لكن ما يريحنا كسوريين أن قرارنا في أيدٍ أمينة، ما فوق الطاولة هو ذاته ما تحت الطاولة، ومن لا يصدق ليسأل باراك أوباما: ماذا قال لك الوفد الذي التقى الرئيس بشار الأسد، وفي أي اتجاهٍ ذهبت؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن