قضايا وآراء

تصدعات في مشروع أردوغان

| بقلم د. قحطان السيوفي

كانت تركيا عام 2020 في واجهة الأحداث، حيث كان عام الشغب التركي متعدد الجبهات، بحيث بدت تركيا أردوغان أشبه باللغم الذي يهدد استقرار الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا الوسطى.
أصابت التصدّعات العميقة مشروع أردوغان في المنطقة، بل أخفق مشروعه وحلفاؤه مع انحسار تراجع الاقتصاد التركي واعتماده على دبلوماسية الجباية من الدوحة، أردوغان اختار أن يستثمر في الفراغ السياسي الهائل في المنطقة. ويحاول بناء قواعد سياسية خارج إسطنبول بديلاً للقواعد العسكرية التي تعاني غضب الداخل التركي وممانعة القوى الدولية.
تشهد تركيا أردوغان أزمة اقتصادية ومالية بأبعاد ثلاثية؛ العملة، والصناعة المصرفية، والديون السيادية. لاشك أن الاضطرابات الاقتصادية تستحث اضطرابات سياسية؟
كان التضخم المرتفع الذي طال أمده وفجوة العجز المتزايدة الاتساع يطاردان الاقتصاد التركي حتى قبل اندلاع جائحة مرض فيروس كورونا. وكانت قيمة الليرة التركية في انخفاض مستمر مقابل الدولار منذ أواخر عام 2017، وأدى بيع احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي للتعويض عن تدفقات رأس المال إلى الخارج، إلى توليد مزيد من نقاط الضعف. نجم عن ذلك خسارة 40 في المئة أخرى من قيمة الليرة منذ كانون الثاني 2020.
أزمة تركيا الاقتصادية يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل. خلال مرحلة ما قبل كوفيد- 19، كانت قيمة الليرة تنخفض ببطء بسبب عدم معالجة المشكلات البنيوية التي أحدثت هذا الانخفاض.
المرحلة الثانية كانت مع أزمة السياسة النقدية التوسعية التي بلغت حدودها القصوى. وتسبب انخفاض أسعار الفائدة إلى ما دون معدل التضخم الذي ارتفع إلى خانة العشرات في الدولرة ، ورغم بيع 130 مليار دولار من احتياطيات العملة الأجنبية، فإن المحاولة باءت بالفشل.
مع تدهور ميزانيات المصارف العمومية، أصبح الاقتراض بالعملات الأجنبية في الخارج أصعب، صار من الصعب على المصارف أن تعمل على تحسين مركزها فيما يتعلق بالعملات الأجنبية مع الاستمرار في بيع الاحتياطيات لدعم الليرة، وكان هذا الخليط من السياسات غير المستدامة سبباً في زيادة مخاطر الدولة التركية.
المرحلة الثالثة، حيث بُدء بتطبيع السياسة النقدية من خلال زيادة أسعار الفائدة. رفع البنك المركزي في تركيا سعر الفائدة القياسي بمقدار نقطتين مئويتين في أيلول. لكن المصرف قام بزيادة أخرى لسعر الفائدة في تشرين الأول، ما أكد تعزيز الرأي القائل: إن صانعي السياسات غير راغبين في أو غير قادرين على معالجة التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجههم.
خسائر أردوغان وهزائمه نتيجة مغامراته هذه تكاد تُفلس الخزينة التركية، لولا جرعات الإنعاش القطرية، وفرضه الإتاوات على بعض من يدعمهم كحكومة الوفاق في ليبيا، لدفع أجور مرتزقته بالدولار، أصبحت احتياطيات العملات الأجنبية سلبية للغاية ووصلت ناقص 50 مليار دولار في نهاية أيلول 2020.
جبهات أردوغان المتعددة جميعها حول النفط، أثبتت أنه مجرد طامع في بترول، كان يأخذه من سورية بشرائه من تنظيم داعش الإرهابي بأبخس الأثمان، وحاول نهبه من ليبيا ودول المتوسط من خلال رسم حدود واستحداث جغرافيا مخالفة للتاريخ.
على الصعيد السياسي والعسكري تدخل الرئيس أردوغان عسكرياً في ثلاث جبهات؛ شمال سورية وليبيا وأذربيجان.
– اقترب من عسكرة النزاع السياسي مع اليونان وقبرص، من خلال مناورات استفزازية، والتلويح بملف فتح الحدود أمام اللاجئين السوريين.
– عسكر الخلاف على الموارد الغازية والنفطية في شرق المتوسط، من خلال التنقيب في مياه يونانية مختلف عليها.
أعلن حرباً غير مباشرة على منظومة «الناتو»، من خلال شراء صواريخ «إس400» الروسية.
الأكيد أن تركيا أردوغان تغيرت على مستوى التركيبة السياسية والقوى الفاعلة في المجتمع التركي.
يحاول إحياء الهوية القومية العثمانية واقترابه من حدود المقامرة فهو غير واقعي بل واهم، إلا من حيث المناكفة السياسية والبقاء ضمن إستراتيجية تقويض الدول والاستثمار في الخرائب، ولاسيما أن حزبه العدالة والتنمية، بات محاصراً بمنافسة أصدقاء الأمس من الإسلاميين التركيين المناهضين لسلوك أردوغان، ومحاولته تغيير الإرث الكمالي مع تحوّلات العالم.
اليوم ما بعد جائحة كورونا، يسعى أردوغان لتكريس مشروعه الذي يتخذ طابعاً شمولياً دينياً وقومياً، متوهماً أنه يمكن أن يجلب له مكافأة في الداخل التركي الغاضب من تراجع الاقتصاد والتدخلات العسكرية.
في أدبيات الحياكة السياسية الرئيس أردوغان ماهر في تنفيذ أي موديل سياسي بأي مقاس، وبأي لون، إنه يحترف حياكة القماشة السياسية حسبما يُطلب منه.
كل الشواهد والمؤشرات تقول إن أردوغان جاهز للذهاب إلى أي مكان أو التعامل مع أي أزمة أو تقديم الخدمات التي يطلبها التنظيم الدولي للإرهاب، فهو ينفذ دوراً وظيفياً باحترافية لمصلحة أجندات والفوضى والتقسيم والتمزيق.
أردوغان رئيس مخلص لقاموس الشر، يعرف جيداً كيف يتعدى على حقوق الآخرين، ويهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة.
على المستوى الخارجي، استعداء دول المنطقة ساهم في انكشاف مشروع أردوغان، وخصوصاً مع التناقضات الجوهرية في المشروع.
لا تزال أوهام العثمانية الجديدة والوطن الأزرق تطارد أحلامه السياسية بالتوسع، والاعتداء والتطاول على حق الدول ومقدرات الشعوب باتا عقيدة ومنهجاً لدى أردوغان، المرتزقة والميليشيات والمأجورون أدوات ممولة من حليفته قطر، إننا أمام عقلية «صدامية» تعيش خارج الواقع.
مشغول بحياكة أحدث «موديل» تخريبي نشاهده في نقل الإرهابيين والمرتزقة والتركمان والسوريين إلى إقليم ناغورني قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان بهدف خلق بؤرة جديدة جاذبة للتنظيمات الإرهابية في جنوب القوقاز.
في سورية، يحاول أن ينتقل من مرحلة «الاحتلال» إلى مرحلة «التتريك»، يسعى لسلخ شمال وشمال شرقي سورية وضمهما للأراضي التركية معتمداً التنظيمات الإرهابية.
أردوغان يراوده الوهم بأن مرور 100 عام على «اتفاقية لوزان» عام 2023 سيعود به لأملاك السلطان عبد الحميد الثاني، ونجح بامتياز في توحيد جميع الأعداء ضده. من خلال سياسة شن الحروب والتخاصم والتناطح مع الجميع، وهو يسعى لإحياء الإمبراطورية العثمانية في القوقاز.
كان الحكم التركي دائماً مصدر ضرر وشر للعرب منذ الخلافة العثمانية، وهي حقيقة إمبراطورية طورانية تخفي إيديولوجيا عدوانية من خلال مفهوم الدولة السّلطانية العثمانية بصحبة طابوره الخامس جماعة الإخوان، تركيا أول دولة إسلامية تعترف بدولة إسرائيل، وهي ترتبط معها باتفاقيات دفاع مشترك ومصانع أسلحة.
تركيا أردوغان وتحتضن جماعات هاربة من بلدانها العربية بسجل إجرامي وإرهابي ووفرت لها الملاذ الآمن، للتحريض على العنف الإرهابي، محاولة نشر الفوضى في ليبيا وسورية والعراق.
تصدعات تظهر في مشروع أردوغان، ولم يتبق له سوى كروت المقامرة في الداخل التركي وسياسات المغامرة في تدخلاته العسكرية الخارجية، واستعداء الجميع ومحاولة الاستثمار في زمن الانكفاء والفراغ السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن