ثقافة وفن

ثقافة الطابور بين الشرق والغرب … الصبر والاعتياد على احترام الآخر والقانون

| سوسن صيداوي

بعيداً في التاريخ من الواقع الأزمي الذي نعيشه، نحن شعوب تعشق وجه السرعة وليس في صدورها روح صبر الانتظار، سواء في قيادة السيارة، أم في دفع الفواتير، أو عند الطبيب، وفي الحصول على تذكرة سفر، وحتى في محاسبة بائع الخضراوات أو الملبوسات….. إلخ، فبمجرد التوقف لدقائق قليلة ننادي بصوت عالٍ وكأننا نقول لمن يسرق أوقاتنا الغالية والتي تذهب سدى من دون أجور مدفوعة: «شو صار معك يا معلم، ما بدك نحاسبك؟». أو يدنا بمجرد أن توقفت سيارة أمامنا لسبب ما نضعها على الزمور بحركة لا شعورية خلقتها العادة، نضغط بنزق لا محدود، غير ملتفتين للإزعاج العام في المحيط، كيف لا فسائق السيارة أمامنا توقف لدقائق وعطّل سيرنا وأشغالنا. الأمثلة كثيرة في أوقاتنا اليومية التي نقضيها ويخنقنا فيها الانتظار، ولكن اليوم كيف سنمضي حياتنا وقد أصبح الطابور (لتعبئة البنزين، رغيف الخبز… إلخ)، يعيق عُجالتنا الحارقة التي نعشق والتي بنتيجتها ماضية وبشكل دائم نحو اللاشيء؟.

طابور الرفاهية

لمست الحدث مباشرة، باتصال عبر الكاميرا مع صديقتي التي اختارت أن تتابع حياتها ودراستها في الخارج، فبعد رسالتي التي أخبرتها بها عن أحوالي، أجابت مباشرة لتقترح أن تتصل عبر الكاميرا، لكونها تقضي وقتها في الانتظار للحصول على بعض الأوراق الرسمية، علماً أنها تلقت اتصالاً سابقاً اشترط عليها ضرورة التواجد في وقت محدد. ما لفت نظري هو أن الانتظار أولاً والطابور ثانياً، عادة متأصلة في حياة المجتمع الأجنبي، سواء في الأمور الضرورية كالطبابة أم الأوراق الرسمية، وحتى في الأمور الترفيهية كحضور السينما والحصول على كوب من القهوة السريعة في الصباح، أو في كسب العروض المتاحة من التخفيضات. وبالعودة إلى صديقتي وجدتها اعتادت أخذ النفس العميق وأصبح الاسترخاء بل استغلال الوقت الضائع في الانتظار إضافة جديدة، بمعنى أنها تمضي ساعة أو أكثر بالقراءة أو مشاهدة مادة يوتيوبية، أو الحديث والتواصل مع من يرافقها وجودياً أو افتراضياً. إذا هي لم تعد متضايقة أبداً من الوقوف، ولا يمكنها أن تستفيد من أي عذر كي تحصل على دور غيرها، فلا التوتر وحرق الأنفاس أو الأعصاب يأتي بنتيجة، بل قالت لي بالحرف:» الطابور والانتظار من خلاله يعلّم المرء الاحترام، فهو فن يهذّب النفس والأعصاب، وخصوصاً عندما يكون منظماً والكل سواسية وممنوع التجاوزات الأخيرة التي لا نشاهدها هنا على الإطلاق، بل الطابور في الحياة هنا أمر نصادفه بالكثير من مفصلياتنا الروتينية اليومية».

خبير الطوابير

نشعر بالاختناق والضيق، ويزداد ضجرنا من أوقات الانتظار المفروضة والضرورية بسبب ضعف ثقافة الصبر لدينا، فصحيح أن الصبر منه ما هو فطري ويأتي مولوداً مع البشر ضمن الخلايا الجينية، إلا أن منه أيضاً ما هو مكتسب، ويأتي بتطوير الشخصية بالتدريب والتعود، مع تعلّم مهارات تجاوز الضغوطات النفسية، كلها عوامل تخفف من حنقنا على صعوبة الانتظار، الذي بات أمراً طبيعياً في حياتنا الأزميّة اليوم، وخصوصاً أننا ذاهبون نحو نظام عالمي جديد، يتطلب أفقاً واسعاً جداً من الإبداع والخلق، فالانتظار حالة نفسية مرفقة بالملل والإحباط، لهذا نجد خبراء الطوابير في الغرب، يدرسون الحالة الواجب تصميمها، سواء أكان الانتظار في الطابور سيتم في سوق تجاري على دفع الصندوق، أم للصعود بالمصعد، أو لربما للدخول في أحد أقسام العطورات ومواد التجميل أو أحدث صيحات التكنولوجيا للكمبيوتر المحمول أو اللابتوب، فالحالات متنوعة جداً ويتطلب تصميمها مراعاة الأشخاص الذين يقومون بالخدمة من جهة، والذين ينتظرون بالطابور من جهة أخرى للتخفيف من شكاوى الانتظار.

في الختام كلمة حق

من أجل الإنصاف لابد من الإشارة إلى ملاحظة تفاوت حدّة الطوابير المتنوعة لدينا، وخصوصاً بعد توفير طرق إلكترونية تدير وتسرّع تقديم الخدمات مختصرة الوقت والجهد. ولكن هذا لا يمنع من التأكيد أن نجاح هذا الأمر يتوقف على بيئة المجتمع الثقافية التي مازالت لا تقتنع إلا بالحضور الجسدي لإتمام معاملاتها، وخصوصاً من فئة كبار السن التي لا تثق في الخدمات الإلكترونية، ولا تُحسن استخدامها، ما يستدعي من الجهات الحكومية مضاعفة الجهد المبذول، لتنمية الوعي المجتمعي حتى يصبح الطابور ثقافة شائعة ومقبولة الانتظار ضمن إتيكيت واجب الاتباع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن