قضايا وآراء

إسرائيل وبعض العرب و«محاربة معاداة السامية»!

| تحسين الحلبي

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قررت الحركة الصهيونية وبريطانيا والولايات المتحدة تبني قانون يمنع سلطات دول أوروبا الغربية من التسامح مع كل فكرة معادية لليهود ضمن شعار «محاربة معاداة السامية» وأصبح كل ما يصدر عن الحركة الصهيونية من مزاعم في فلسطين التي كانت حتى عام 1947 تحت الانتداب البريطاني، يعد «معاداة للسامية».
بعد الإعلان عن الكيان الصهيوني عام 1948 بدأت الدول الغربية الاستعمارية بتوسيع تطبيق هذا القانون على الدول الأوروبية الغربية وخاصة في ألمانيا الغربية في ذلك الوقت من الحرب الباردة، وبالمقابل أصبح كل من ينتقد الحركة الصهيونية ويقاوم الاحتلال الإسرائيلي يعد بنظر دول الحلف الأطلسي أنه يمارس عملاً معادياً للسامية بل إرهاباً، ووجهته هذه المحافل ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية.
بالمقابل وضع الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي في الثمانينيات والتسعينيات سلسلة قوانين يعد فيها كل من ينتقد الصهيونية وكيانها ويؤيد الحقوق الفلسطينية متهماً بجريمة معاداة السامية والتمييز العنصري، وسن قانون عقاب خاص بهذه «المخالفة» ونقل عام 1997 هذا القانون على شكل توصية إلى المجلس الأوروبي في اجتماعه على مستوى وزراء الخارجية فتبناه المجلس، وفي عام 2008 تبنى الاتحاد الأوروبي قانوناً يعد معاداة السامية بتعريفها الإسرائيلي، جريمة جنائية.
في عام 2010 قامت الولايات المتحدة تطبيقاً لتوصية إسرائيلية بتحديد تعريف رسمي أقره الكونغرس حول معاداة السامية نشره موقع وزارة الخارجية الأميركية ومكتب المبعوث الأميركي الخاص «برصد ومحاربة معاداة السامية» جاء فيه: «إن معاداة السامية هي كل تعبير يحمل الكراهية لليهود أينما كانوا، سواء أكانت بالكلمات أم العمل المادي أو ضد ممتلكات وجاليات ومؤسسات تخص اليهود، ويعد استهداف دولة إسرائيل بهذه المظاهر معاداة للسامية لأنها تشكل تجمعا لليهود»، وأضاف التعريف إلى هذه المظاهر من معاداة السامية: «وكل رسم أو صورة أو خطاب وكتاب يتعرض لليهود بكراهية، ومنع وجود هذه المظاهر في المدارس ووسائل الإعلام وأماكن العمل»، وبهذا التعريف أصبحت مناهضة الصهيونية العنصرية الاستيطانية «معاداة للسامية» بل أصبحت «تحريضاً على العنصرية والتمييز العرقي والأبارتهايد»!
في شباط 2019 أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا تعد «كل معاداة للصهيونية جريمة جنائية على غرار معاداة السامية».
المقصود من هذه الحقائق، أن إسرائيل وحلفاءها في أوروبا والولايات المتحدة، وضعوا هذه القوانين التي تدافع عن الاحتلال والعنصرية التي فرضوها على من يوافق معهم، وسيحاولون قريباً مطالبة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بتبنيها، علما أن ميثاق هذه الجامعة يؤكد اغتصاب فلسطين والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والتنديد بالكيان الإسرائيلي ورفض الاعتراف به، كما ستطالب واشنطن وحلفاؤها كل دولة عربية وحدها أو بشكل جماعي، بتبني هذه القوانين وفرضها على شعوبها.
مانفريد كريشينفيلد، وهو رئيس مركز أبحاث جروزليم للشؤون العامة «جيه سي بي أي» الإسرائيلي، كشف في وثيقة حول ما تم إنجازه في ساحة ما يسمى «محاربة معاداة السامية والصهيونية في العالم» في 30 كانون الأول الماضي ونشرها في «مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية» أن «إسرائيل والبحرين قررتا معاً القيام بمحاربة معاداة السامية بموجب التعريف الأميركي الذي تبنته منظمة التحالف الدولي للتذكير بالمحرقة ومحاربة معاداة السامية وبموجب قرارات واشنطن ولندن وبرلين»، إضافة إلى ذلك ليس من المستبعد مطلقاً أن تقوم واشنطن ومكتب مبعوثها اليهودي الأميركي لما يسمى محاربة السامية التابع لوزارة الخارجية الأميركية، بمطالبة عدد من الدول العربية، بتبني قوانينها تحت طائلة العقوبات أو الضغوط السياسية من أميركا ودول أوروبية في مقدمها بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
إن هذه الحرب التي يقودها الكيان الإسرائيلي في كل مكان من وزارة الخارجية ووزارة الشؤون الإستراتيجية والإعلامية ووزارة القضاء في أرجاء العالم، تترافق مع حرب الإبادة الإرهابية التي يشنها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة لاستكمال مخططه التوسعي وتهيئة الظروف بالقوة لفرض مفهوم ما يسمى «الدولة اليهودية»، أي دولة اليهود وحدهم في كل فلسطين من النهر إلى البحر، وطرد أصحاب الأرض مما بقي من وجودهم على ترابهم الوطني، فقد أصبح شعار ما يسمى «معاداة السامية» سيفاً تسعى تل أبيب وواشنطن وحلفاؤهما في أوروبا إلى تسليطه فوق رقاب العرب والمسلمين وأحرار العالم لتحويل نضالهم المشروع والقانوني العادل ضد مغتصب فلسطين والقدس والجولان العربي السوري ومزارع شبعا اللبنانية، إلى إرهاب وجريمة جنائية في نظر أوروبا والولايات المتحدة، في هذا الزمن الذي يعمل فيه الكيان الصهيوني على طمس حقيقته العنصرية والاستعمارية الاستيطانية الصارخة التي لن تمحى مادام الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية يتمسكون بحقوقهم الثابتة ويعدون أنفسهم لمقاومة الاحتلال واستعادة أراضيهم وحقوقهم الوطنية والقومية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن