ثقافة وفن

كيف يؤثر الأصدقاء في صحتنا النفسية؟

| هبة اللـه الغلاييني

احتفى الفلاسفة ببهجة التواصل الاجتماعي منذ عصر أفلاطون، الذي كتب مشهدا حواريا حول هذا الموضوع، وثمة أدلة منذ عقود على أن العلاقات الاجتماعية الجيدة سبب للسعادة، ويقول فرويد: (إن الإيجابية معدية، فأصدقاؤك السلبيون يزيدونك تشاؤما، والايجابيون يزيدونك تفاؤلا وسعادة). وعلى مدار 80 عاماً، هي عمر دراسة من أطول الدراسات التي تشمل البشر في العالم، أجريت في جامعة هارفارد الأميركية، توصل باحثون إلى أن (الأصدقاء الجيدين) أكثر مدعاة للشعور بالسعادة، مقارنة بالمال والنجاح والعلاقات العائلية.
كما توصلت الدراسة التي شملت أسئلة عن الحياة العامة، بما في ذلك الصحة والعمل والزواج إلى أن (الأصدقاء الجيدين) لعبوا دوراً في حماية الناس من التدهور العقلي والجسدي). وكان الجزء المفاجئ بالدراسة هو أن (سعادتنا بعلاقاتنا، لها تأثير إيجابي وقوي على صحتنا).
وأكدت أن الاعتناء بالعلاقات نوع من الاهتمام المباشر بالصحة الجسدية والنفسية والعقلية أيضاً. فالآخرون هم مصدر أعظم أسباب بهجتنا. ودورهم يتخطى ذلك، فهم يساعدوننا على البقاء على قيد الحياة.
ركزت دراسة جامعة هارفارد التي بدأت عام 1938، في ذروة الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم، على النواحي الجسدية والنفسية، لمجموعتين من السكان، هم 465 رجلا عاشوا في بوسطن في الفترة من عام 1939 إلى 2014، ومجموعة ثانية هم 268 من الخريجين الذكور من صفوف هارفارد للفترة من عام 1939-1944 وبحسب روبرت فالدينجر، أحد المترأسين لهذه الدراسة، فإن السر الذي يفوق كل الأشياء الأخرى في الأهمية لتحقيق السعادة، هو امتلاك الشخص للعلاقات الجيدة التي تقوم على أساس الصداقة تجعلنا بصحة حسنة وسعداء في الحياة) ويؤكد: السعادة لا تتعلق بعدد المؤتمرات التي تحدثت فيها، أو عدد الإعجابات التي حصلت عليها في وسائل التواصل الاجتماعي، أو عدد الشركات التقنية التي عملت بها، أو مقدار ما بذلته من جهد لجني المال، فالحب هو أكبر مؤشر فعلي للسعادة في الحياة.

الصداقة تنتصر

يعتبر الحب شعوراً حساساً تحكمه عوامل عدة منها التقلبات، وروتين الحياة اليومية، وطريقة تعامل الطرف الآخر من شريكه، وإمكانية تحديهما للمعوقات التي تواجههما في الحياة بحزم وإرادة وفي حال لم يستطع الشريكان مواجهة جميع هذه التحديات، فإن ذلك يعني صراحة أن الحب بمفرده لا يؤمن السعادة الدائمة للإنسان، بل يمكن له أن يمنح سعادة استثنائية الطابع. في حين أن اعتبارات الصداقة قد لا تتأثر في هذه الظروف المغايرة، لأن العلاقة بين الأصدقاء في هذا الشأن، تؤدي إلى حل المشكلات المستجدة بدلا من تعقيدها ولطالما اعتبرت الصداقة العلاج الأول للخيبات العاطفية، فإذا ما انتهت العلاقة بين الثنائي بطريقة دراماتيكية، فإن وجود الأصدقاء هو العزاء الوحيد عوضا عن الوقوع في ضياع تام سببه الانفصال. وفي هذه المعادلة تسليم صريح بأن الصداقة أكثر أهمية من الحب، لأنها تستطيع احتواء ارتدادات العلاقة العاطفية في حين العكس غير صحيح، لأن الحب لا يشفي آثار صداقة خائبة.

صداقة الأزواج

الطريقة الجديدة للنظر إلى الصداقة تضفي غموضا على التمييز القديم بين الأصدقاء والعائلة، من خلال افتراض أن مدى وثاقة العلاقة قد يكون أكثر أهمية من مصدر نشأتها.
ويقول جون كيشيابو، عالم النفس بجامعة شيكاغو، وهو رائد دراسة الشعور بالوحدة من منظور علم الأعصاب: (العلاقة مع الزوج يمكن أن تكون علاقة إيجابية وداعمة، أو تكون هي العلاقة الأكثر ضررا في الحياة). وبمنطق هذا النهج، فإن الأقارب والأزواج يمكن اعتبارهم أصدقاء، ولكن فقط إذا كانت الرابطة بينهم إيجابية ومثمرة. ووفقا لهذا الرأي، قد تكون الأولوية للعائلة جزئيا: لأن هذا هو الأسهل والأقرب. ويقول: (الصداقة كلمة تصف روابط اجتماعية مستمرة وطويلة الأمد، والقرابة توفر بداية سهلة لهذه الروابط).

الوحدة مرادفة للحزن

تعد الصداقة البنية التحتية التي تؤسس لحياة سعيدة وناجحة، فهي ركيزة حقيقية تقوم عليها معظم العلاقات الإنسانية، خاصة إذا كانت تتسم بالحب والمودة والاحترام، بعيداً عن النفاق والسوء والحقد وغالبا ما يكون الأشخاص المحبون للوحدة تعساء أكثر ممن يتمتعون بكم مناسب من الأصدقاء. كان جون كيشيابو في طليعة من عملوا على دراسة هذا المجال، وأثبت أن نقص الروابط الاجتماعية يؤدي إلى زيادة معدل الوفيات والاكتئاب والعدوانية والاستجابة للتوتر، بالإضافة إلى الانسحاب الاجتماعي وقلة النوم وارتفاع ضغط الدم، وكان تفسيره لهذا ما وصفه (الدعم الاجتماعي) وهو ما يعني أن الروابط الاجتماعية القوية تشجع على سلوكيات صحية أفضل، وتخفف من حدة الآثار السلبية للضغوط والإجهاد. ووجد كيشيابو عندما بدأ يبحث بعمق في الدماغ، أنه العضو المسؤول عن تكوين الارتباطات المفيدة وتقييمها ومراقبتها وإصلاحها والحفاظ عليها، وكذلك تنظيم الاستجابات الفسيولوجية التي تؤدي إلى حياة صحية أو إلى المرض والوفاة.

أهمية الصداقة

تحسن المزاج: أكدت دراسة علمية صدرت حديثا، أعدها باحثون من جامعة (وارويك) في انكلترة، أن المزاج الجيد معد بين الأصدقاء. ودرس الباحثون مدى تأثير مزاج بعضهم في بعض، وتوصلوا إلى أن وجود شخص واحد مزاجه إيجابي بين مجموعة من الأصدقاء، كفيل بأن يجعل بقية المجموعة تشعر بالمزاج الإيجابي نفسه.
تقليل التوتر: أوضحت دراسة تابعة لجامعة ميتشيجان الأميركية، أن السيطرة على مشاعر التوتر والقلق تصبح أكثر سهولة عند تمتع الإنسان بصديق خاصة لدى النساء، إذ ترتفع لديهن افرازات هرمون البروجستيرون الأنثوي، المقاوم لمشاعر التوتر السلبية، مما يعني تراجع مخاطر الإصابة بأمراض أخرى بالتبعية، مثل أمراض القلب والسمنة والاكتئاب.
معرفة أسرار النفس: ترى جانيكا مكابي، استاذ علم الاجتماع بكلية دارتموث الأميركية من واقع أبحاثها، أن طريقة تفكير المرء فيمن حوله من أصدقاء، ربما تفسر له بعض الأسرار عن نفسه، حيث يمكن للمرء مع حديثه عن مواصفات إيجابية لأحد الأصدقاء، أن يكشف عن طموحاته تجاه نفسه من دون أن يدري، مما يحقق فائدة كبرى عند الانتباه لذلك.
تعزيز الثقة بالنفس: هذا ما توصلت إليه جامعتا نوتردام ونورث ويسترن بالولايات المتحدة، حيث أثبتت أن تمتع المرأة على وجه التحديد بصداقات حقيقية بشخصين أو أكثر، يزيد من الثقة لديها، وإحساسها بالدعم والتشجيع، مما يسهم بشكل أو بآخر في الوصول لمناصب أعلى في العمل.
الاهتمام بالصحة: تؤكد جيناجلوفر طبيبة الأمراض النفسية بمستشفى كولورادو للأطفال، أن الوجود بداخل دائرة صداقات جيدة، يحرض على الاهتمام بالصحة وممارسة الرياضة، من واقع التحفز لمحاكاة تلك النشاطات الايجابية، على عكس ما يحدث من دون شك، عند التقرب من أشخاص على قدر أقل من المسؤولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن