ثقافة وفن

فن الكاريكاتير المعبّر الأبلغ عن هموم الشعوب … شماع لـ«الوطن»: الكاريكاتير يعيش أزمة قد تلغي تحالفه مع الصحيفة

| سوسن صيداوي

ما الغرض من الفنون، وما الغاية من إبداعها إن لم تصوّب الخطأ وتسعى لتقديم الحلول من أجل تصحيحه؟ الجواب على سؤالنا يكون بالموضوع الذي نقدمه لكم اليوم. فمن أكثر الفنون عموماً والتشكيلية خصوصاً والتي هدفها كما ذكرنا أعلاه، يأتي فن رسم الكاريكاتير، فهو بجرأته الأقوى والأقدر على البوح بما يدور في الأذهان من أفكار، وما يسود في الداخل من مشاعر، تتغير بحسب ظروف الدنيا بأزماتها، ولهذا هو الأكثر قرباً من الشعوب بمختلف دول العالم، ولقد تطور ليصبح ضرورة يومية في الصحف الورقية، وأنا أعرف أن كثيراً من القراء يبدؤون بمطالعة الصحف انطلاقاً من رسم الكاريكاتير، لكونه الأبلغ في التعبير بمحتوى الظواهر السلبية السائدة في المجتمعات وبكل المجالات: السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، عبر رسومات مشاكسة، ناقدة، لاذعة ومؤثرة.

خطورته في بساطته

عناصر لابد أن تجتمع كي يحقق الكاريكاتير غايته السامية، فهو ينطلق من البساطة والشفافية عبر خطوط قادرة على التصوير ضمن جو قوي في حضور مبالغ فيه، مع تجسيد للسخرية عبر منطقية هزلية لا تعرف أي حدود.
وفي المقارنة يمكننا أن نشبّه الكاريكاتير بالتمثيل الهزلي، والذي لا تكون غايته بالعموم تحقيق البهجة من الفرجة بإثارة الضحك، بل هدفه الأساس هو التقويم والتهذيب عبر الإصلاح والنقد، انطلاقاً من سهولته وبساطته وسرعة وصوله إلى عقل كل البشر مهما اختلفت الثقافات والمراكز الاجتماعية وحتى التحصيل العلمي. ويمكننا أيضاً أن نشبهه بالنكتة، والأخيرة هي صورة شفهية محكية سريعة الانتشار في المجتمعات، على حين الكاريكاتير هو نكتة ولكنها مصورة ومكتوبة، ولكنه يختلف عنها بأنه صعب الاتقان والإجادة أو النشر المتواتر بين الناس. وحول هذه النقطة يتابع ضيفنا رسام الكاريكاتير عبد الهادي شماع قائلاً: «يعتقد الفيلسوف هنري برغسون أن السخرية إنما هي شكل من أشكال الدفاع عن النفس، ومحاولة لتحمل قسوة الواقع والتعايش معه ريثما يتم التغلب عليه، ويأتي برغسون بمثالٍ عن شخص بريء يساق للإعدام فيُسأل عن رغبته الأخيرة فيجيب: قولوا للقاضي إنه بحكمه هذا قد لقنني درساً لن أنساه أبداً.
كما أرى أن السخرية هي محاولة للهروب والتحايل على الجلطات التي تنتظرنا على زوايا المصائب والمصاعب التي تنهال علينا أفراداً وجماعات».
وفي سؤالنا هل من الضروري أن يكون رسام الكاريكاتير خفيف الظل، أجاب شماع: «ليس شرطاً.. وعموماً فإن الكاريكاتير عمل انتقادي واع يحتاج الكثير من التفكير وسعة الاطلاع، وهذا طبعاً لا يتعارض مع (خفة الدم) التي تأتي هنا كنشاط ذهني يظهر في الكاريكاتير من دون ضرورة ظهوره في شخصية الرسام، حتى لو توفرت (خفة الظل) في الرسام ورسومه معاً فإنه يضيف شيئاً محبباً و(كاريزمياً) يرضي المتلقي».

ما بين المقومات والخطوط الحمر

يتطلب فن الكاريكاتير موهبة خاصة لا تكون بالقدرة على الرسم، بل تكمن بسرعة البديهة القادرة على التقاط المتغيرات المتنوعة في المجتمعات، وتحويلها على الفور إلى رسمة كاريكاتير معبرة عن الحدث الراهن، وعن مقومات هذه الموهبة الخاصة في تحقيقها لغايتها المنشودة، يتابع رسام الكاريكاتير شماع قائلاً: «مقومات الكاريكاتير الناجح – برأيي- تختلف قليلاً باختلاف البلد والثقافة السائدة فيه من جهة، وثقافة المتلقي بحد ذاته من جهة ثانية، بكل الأحوال ليس هناك مقياس معروف لذلك، لكني أعتبر أن الكاريكاتير الذي يستطيع المساعدة في تحسين حياة الناس هو الكاريكاتير الناجح، فأنا أرى أن للكاريكاتير وظيفة محددة ونبيلة، وهو ليس للترفيه والإضحاك فقط.. وإن بدا – أحياناً- على هذا النحو».
وفي سؤال «الوطـن» عن سقف الحرية المطلوب، جاء جواب رسامنا بسيطاً ومعبراً كرسوماته «لا سقف للحرية سوى ألا تؤدي هذه الحرية للتسبب بأي شكل من أشكال الأذى لأي أحد».

وحول تدخّل الشبكة العنكبوتية بمساهمتها في نشر هذا الفن، مقارنة مع الصحف والمجلات، عقّب رسام الكاريكاتير عبد الهادي شماع: «يفترض أن يكون ذلك طبيعياً، فمنطقياً ليس لهذه الشبكة حدود وموانع وحسابات وخطوط حمر، بالقياس لما هو متعارف عليه بسياسات الصحف وتوجهاتها، إلا أني أجد أحياناً تقاطعات غير قليلة بين قناعاتي الشخصية حول الشأن المحلي والاجتماعي وبين سياسة الصحيفة، وهذا يقلل من فرصة التباين في رسوم أنشرها على صفحتي وبين الرسوم التي أنشرها في الصحيفة التي أعمل لها، على اعتبار أن كلينا -أنا والصحيفة- نتوجه لذات المتلقي ونتكلم عن مشكلة معينة يعيشها الجميع ونحاول أن نحلها معاً كل واحد بطريقته».

أزمة الكاريكاتير

في الختام نتوقف عند مطب كبير يواجه فن الكاريكاتير، وكثيرون منا لايدرون ما يواجهه هذا الفن الذي انطلق وانتشر مع طباعة الصحف والمجلات، اليوم ماذا عن مصيره وكيف ستكون الحال التي يؤول لها إن توقفت طباعة الصحف الورقية، وهل من قالب جديد سيتقولب به الكاريكاتير ليبقى فناً مستمراً ومعطاء في هدفه؟ أسئلة يجيب عنها رسامنا عبد الهادي شماع «بالتأكيد المصاعب التي تواجهها الصحف اليوم انعكست بقوة على فن الكاريكاتير ورساميه، وبالتالي فإن الكاريكاتير يعيش اليوم أزمة حقيقية قد تغير من مساراته وخصائصه، فالتحالف الذي نشأ مع ظهور الصحف المطبوعة في القرن السابع عشر بين الكاريكاتير والصحيفة – على اعتبار أن كليهما يقوم بمهمة إعلامية واحدة تقريباً، إضافة إلى أن كليهما كانا آنذاك ينفذان بتقنية الحفر على حجر (الليتوغراف)، فإن هذا التحالف يسير اليوم باتجاه الانفصال، وتأثيره في الكاريكاتير يبدو أكثر حدة، إذ يدفعه للاتجاه نحو تغيير توجهاته وأساليبه، وذلك بالتركيز على الرسوم المعتمدة على صياغات تُعنى بالمفاهيم والسلوكيات والظواهر التي تعرض عادة في المسابقات الدولية والمعارض، والتي عادة ما تقدم صياغات بصرية صرفة من دون الاعتماد على أي حوار أو تعليق، وبالتالي تجنب الدخول في تفاصيل الوقائع والأحداث لأنها قصيرة الأجل وتناسب الصحف اليومية».
هنا يمكن ملاحظة التزامن الذي حصل بين انكماش حضور الكاريكاتير وتراجعه في الصحف وبين ظهور ما يسمى بـ«الكوميك» أو الـ«ميمس» على المواقع الإلكترونية، إذ يبدو أن الكاريكاتير يتخذ لنفسه لبوساً آخر عبر استخدام أساليب وأشكال جديدة، لا تشترط جودة الرسم، بل إن بعضها يستغني تماما عنه، لكن بالإبقاء على النص أو الحوار الطريف الذي يقدم الموقف أو المقولة، إضافة إلى الصيغة البصرية العامة للصورة، بمعنى أنه ليس نصاً أدبياً بالمعنى المتداول ولا لوحة أو صورة، بل هو شيء بين الاثنين.

أعتقد أن هذا النوع من «الفن» سيكون هو المنافس.. وربما البديل عن الكاريكاتير بصيغته المعروفة اليوم».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن