هل ينبغي أن يسود مجتمعنا الأدبي نوع من الأدب اسمه أدب الوجاهة؟
وهل ينبغي على الأديب أن تكون أداته الثقافية المسؤول عنها لعبة من لعب الذات من أجل طمأنة رغباتها وأشعارها بالتفوق حتى تستعذبه وتسير في خطواته وهي مجرد واهمة ولنفسها غير عارفة أو مقدرة؟
وهل ينبغي أن تكون حاجة النفس أكبر من حاجة المجتمع؟ فإذا لم يكن للأدب موقف خاص نابع من صميمية الذات لكبح جماح النفس، فإن شر الكلمة يكون أكبر من خيرها، وإن النفس تواجه خطراً من داخلها، وعلى الأديب الحقيقي أن يواجه تلك النوازع بالرجوع إلى العقل وإلى منطق الأدباء الخيرين الذين عموا الوجود العربي والمجتمع بخير إبداعهم وبالكلم الطيب الذي يفصح بمبادئ الفضيلة والعدل والتقوى بالقول وبالفعل، وهذه مبادئ لا غنى عنها لكل دارس ولكل مسؤول عن توهج الحرف وعن نشر الثقافة، أما أن تكون الرؤية الأدبية العامة ضعيفة وميتة وليست بذات كيان، فإن صاحبها لا يأبه لها لأنها بالأساس هي ليست منه وهو ليس منها ويصبح التفريط بقدسيتها وبقيمتها وبقيمة العمل من أجل الثقافة والإبداع نوعاً من أنواع السهولة والاسترخاء ويكون في الموقف كل شيء من العبث فقط ويكون البعض ممن ليست له علاقة بالأمر الثقافي هو الرابح.
البعض الآخر يستعذب مثل هذه المواقف لأنها حالة من حالات الاسترخاء في ما هو سهل وعادي، والبعض يؤكد زيف الوجاهة وهو ممارسها الأول، قد يقال: إن هذه هي طبيعة الحياة، ولكننا نقول: إلا في شؤون الأدب والثقافة لأنها مبنية على الصدق وعلى المبدئية وغير محابية ولا مشتتة في نفسها ولا نازعة لتفخيم ذاتها وتوريم جوارحها، فهي رؤية نقية شفافة صدقها كبير وتأثيرها أكبر، وهي أي الثقافة بمحتواها الإبداعي وبحجمها الكبير خيمة فوق الجميع لأنها نابعة من صدق في الرؤية ومن نقاء في السريرة وهي أمانة مقدسة في أعناقنا، ونحن نتميز بمرحلة معطاء بناءة وصولاً إلى ما هو أكبر وأعلى وأشمل لكي يصل مجتمعنا إلى مستوى حضاري متواصل العطاء في مقوماته مع طموحات النفس بأهدافها الشريفة والملائمة لدورة عصرنا ووجودنا ومرحلتنا.
ولو عدنا لما يمارسه البعض من نوع من أنواع الوجاهة الزائفة فإننا سندرك فقر هذا البعض إلى الإدراك السليم لأن أي تصرف بعيد عن الواقع وعن جذوره المشدودة إليه يضعه في مصاف المحاباة وخدمة الذات ومن ثم الوقوع في خطأ التصرف.
وبعد.. هل في الأدب وجاهة؟ أم في الأدب رسالة إلى المجتمع؟ وهل الوجاهة غير الحقيقية مطلوبة؟ أم العمل الخالص مبني على الصدق وعلى نقاء السريرة.
هذه ليست كلمات بمواجهة أحد ولكنها بمواجهة ظاهرة قد تحصل، أضعها بخبرة السنوات وباكتناه سر الحرف المستنير، أضعها كأسلوب للكتابة والعمل الثقافي المستقبلي وهي مقدمة للكبار وللأجيال الجديدة من الأدباء أود منها أن يجدوا فيها صدق الرؤية وأن تخدم موقعها، لأنها تتنامى في خدمة الوطن، وخدمة الوطن فوق جميع الرغبات والأمنيات، لأنها مسعى نحو تطور المجتمع، وبالتالي تتحول إلى خدمة للنفس، شأنها شأن الحقيقة في الثقافة والإبداع، لأنها تشرق دائماً وقديماً وحديثاً يعرف الإنسان المفكر أن فعل الخير الفعل المضيء دائماً هو الفعل الأصعب.