كرة القدم علم غير صحيح وليس بالضرورة أن يفوز الفريق الأقوى على الورق، ما لم يشفع ذلك بأداء إستراتيجي وداخل المستطيل الأخضر يترجم الأفضلية النظرية.
ولكن أن يفوز الفريق غير المرشح فهذا وارد في مباراة واحدة تلعب وفق ظروفها ومتغيراتها وجزئياتها الصغيرة، ولذلك تكثر المفاجآت في مواجهات الكؤوس التي تلعب من مباراة واحدة ولنا في مباراة بايرن ميونيخ ونادي هولشتاين كيل أحد أندية الدرجة الثانية مثال قريب على نتيجة لا يمكن تصديقها، فبالأمس القريب كان البايرن بعبعاً لكل أندية العام ومسيرته خلال دوري الأبطال عرفت الفوز في المباريات الإحدى عشرة للنسخة المنصرمة وهذا لم يحققه أي ناد بتاريخ المسابقة.
ولكن أن يكون الجنون على مستوى دوريات كاملة فهذا نادر الحدوث ولا يمكن الرهان عليه، ولكن ما دمنا في رحاب لعبة كرة القدم فهذا وارد لأن اللعبة أساساً ممزوجة بخليط من عناصر غير متوقعة ولذلك يقال: اللامتوقع أو وارد الحدوث في كرة القدم.
فمن كان يراهن على تتويج ليستر ببطولة الدوري الإنكليزي موسم 2015/2016 بوجود عمالقة البريميرليغ اليونايتد والسيتي وليفربول وتشيلسي وتوتنهام وآرسنال، واللافت هذه الأيام أن ليستر يزاحم على اللقب الأقوى في العالم، على حين يتراجع تشيلسي خلافاً لكل التوقعات وتحول لامبارد بين ليلة وضحاها من مدرب مرغوب فيه إلى مدرب مركزه مزعزع ومن الجائز بين ليلة وضحاها فضّ الشراكة معه.
والأغرب أن يتحول الجنون في بطولات على مستوى المنتخبات خلافاً لكل التوقعات ولنا في التجربة الدانماركية على طريقة يورو 1992 وليس على طريقة الفنان المبدع عادل إمام مثال حي، فمنتخب الدانمارك أتى وقتها من شواطئ النقاهة ليعتلي مجد القارة مطيحاً بمنتخبات فرنسا وإنكلترا وهولندا وألمانيا.
وذاك الجنون نقطة في بحر ما فعله اليونانيون الذين استحضروا كل رواياتهم وأساطيرهم لفلسفة الكرة وفق رؤيتهم فكان التتويج بلقب يورو 2004 رغماً عن أنف البرتغاليين والفرنسيين والتشيكيين والإسبان وأربعتهم أخفقوا في وضع حد لتلك المغامرة التي نُقشت على صفحات كأس الأمم الأوروبية.
وفي ميادين القارة الصفراء قالت قطر كلمتها محققة الفوز في كل مبارياتها خلال الكرنفال الآسيوي 2019 ومن بين المهزومين أمامها أربعة أبطال السعودية والعراق وكوريا الجنوبية واليابان، وصحيح أن العنابي لا يستهان به ولكنه لم يدخل البطولة مرشحاً للزعامة بل ولد من رحمها بصورة مشابهة لما فعله أسود الرافدين العراقيون عام 2007.
وبعد.. تبقى المفاجآت النكهة الأجمل الذي يحول الكرة إلى مجنونة يحبها ويمارسها العقلاء.