مع كلِّ انهمارٍ لخيرات السماء من أمطارٍ، تبدأ معاناة اللاجئين السوريين في المخيمات، لينطلقَ معها الاستثمار الإعلامي بالقصة، وصولاً إلى الجدال المكرر بين شامتٍ بمن تركَ أرضه ورهن نفسه لأهواء من يتاجر بقضيتهِ ويستثمرها، ومن ينادي بالتعاطي مع القصة بروحٍ إنسانية محملاً باسم الإنسانية التي يدعيها مسؤولية هذهِ المعاناة للدولة السورية.
حقيقة الأمر يبدو كلا الطرفين يزايد بطرحِ رأيهِ، ليصلَ فيهِ حدَّ التطرّف غير المنطقي.
الطرف الشامت تنطبق عليهِ عبارة «قُل خيراً أو فاصمت»، لأن التعاطي بطريقة «الدوكما» مع قضيةِ اللاجئين ومعاناتهم ظالمة وليست منطقية، فليس كل من نزحَ وهاجر نزحَ لأنه أخفق في إسقاط النظام، هناك من نزح لأنه لا يريد أن يكون طرفاً يعتدي بعد أن أصبح تحت نير الاحتلال المتأسلم، هو لم ينزح باتجاه الداخل السوري لأن الطرق أُغلقت أمامه. بذاتِ الوقت ليس صحيحاً بأن هؤلاءِ جميعاً هُم عوائل إرهابيين ومسلحين، أساساً لو كانوا عائلات إرهابيين لما سمحوا لهم بالخروجِ بلا نقابٍ، أليسَ السفور حراماً والعياذ بالله! كما أن المسلحين والإرهابيين لن يسمحوا لعائلاتهم بالمكوثِ في مخيماتٍ، تحديداً بعد إفراغ قرى بكاملها من سكانها الأصليين ليحل محلها الإرهابيون وعائلاتهم.
في الطرفِ الثاني لا يمكن لمن يدّعي الإنسانية أن يجلسَ ويحمِّل الحكومة السورية معاناة هؤلاء، هذهِ الفئة تحديداً لابدَّ من إعطائها حجمها الحقيقي لنكشفَ لمن يتشدق بآرائهم أنهم إمعات، ببساطةٍ من مثلي يمتلك الشجاعة والإنسانية ليحمِّل الحكومات السورية مثلاً مسؤوليةَ معاناة السوريين في الداخل بعد الفشل في سياسات توزيع الدعم والعبارة المشروخة:
ما زلنا أرخص من دولِ الجوار، لكن ما علاقة الحكومات السورية بمعاناة اللاجئين؟
لم تترك القيادة السورية باباً إلا وطرقتهُ لإعادة هؤلاء فما كانت النتيجة؟ حتى مؤتمر عودة اللاجئين الذي انعقد في دمشق قوبل بالتهكم من المتباكين أنفسهم على مبدأ: دعوهم هناك كيف سيأتون في ظلِّ غياب الحاجات الأساسية في سورية؟
أنتم بهذا الأسلوب تنافقون في إنسانيتكم، الإنسانية لا تتجزأ، لكن الشجاعة أيضاً لا تتجزأ، هؤلاء باتوا يتاجرون بالقضية لأنها تمنحهم مزيداً من الإعجاب والمشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن لم تكن كذلك فلجيبونا:
نحن نملك الشجاعة والإنسانية بأن نتعاطف مع هؤلاء اللاجئين تماماً كما تعاطفنا مع متضرري حرائق الساحل وانهيار المبنى في حلب والعمليات الإرهابية التي لم تكد توفر مدينة سوريّة، لكن أين أنتم وإنسانيتكم من تلكَ الأحداث التي ضربت الداخل السوري؟ لماذا لا نراها إلا في الاتجاهِ الذي تسلَّط عليهِ الأضواء لأهدافٍ باتَت معروفة؟
في الخلاصة: على طريقةِ المحافظين الجُدد، والعَلمانيين الجُدد، نبدو أمام طبقة إمعات جديدة اسمها «الإنسانيون الجُدد»، لا بدَّ من الحذرِ من سمومها وانتقائيتها مع تأكيدِ المؤكد:
من يشمت بمعاناة اللاجئين مخطىء، ومن يستثمرها لإنسانية مشبوهة مخطئ، لكم إنسانيتكم ولنا إنسانيتنا.