أحسب أن الأميركيين والإنكليز داخل بلدانهم لا يختلفون كثيراً عن بقية شعوب العالم، ففيهم الطيب والخبيث، الساذج والداهية، والنظيف والوسخ، غير أن الأيام علمتني أن أنظر بارتياب إلى الأميركيين والإنكليز خارج بلدانهم، لأنهم غالباً ما يكونون من نوع لورانس العرب الذي تزيا بزينا وتكلم بلساننا وأظهر لنا الصداقة في حين كان ينجر لنا خازوق سايكس بيكو.
ولهذا ترددت عندما اقترح عليَّ أحد الأصدقاء الأعزاء قبل بضعة أعوام أن أكتب عن المستعربة الإنجليزية ديانا دارك التي اشترت في عام 2005، منزلًا عربياً في حي مختلط من أحياء مدينة دمشق القديمة يعود للقرن السابع عشر. وعاشت فيه بعد أن رممته.
ولدت ديانا دارك في السادس من آذار عام 1956 وهي كاتبة مستعربة تنشر مقالاتها في أهم الصحف الإنكليزية وتقدم برامجها عبر هيئة الإذاعة البريطانية، تخرجت ديانا دارك في جامعة أكسفورد عام 1977، حيث درست الفلسفة واللغتين العربية والألمانية، وقضت ثلاثة عقود متنقّلة بين دمشق ولندن.
في عام 2014 نشرت ديانا دارك كتاباً بعنوان «بيتي في دمشق: نظرة من الداخل للأزمة السورية» أعيدت طباعته عدة مرات.
صحيح أنني لم أتمكن من العثور على الكتاب ولم أقرأه إلا أن ما قرأته عنه في الصحف جعلني أطمئن لديانا دارك. تقول ليز دوسيه، مراسلة بي بي سي الرئيسية للشؤون الدولية عن كتاب «بيتي في دمشق»، «إنه رسالة حب إلى سورية… اقرأها وسوف تكتشف سورية التي تقع وراء عناوين صحفنا اليومية»
أما الكاتبة تينا براون فتقول: « تأخذنا ديانا دارك بعينها النابضة بالحياة وحساسيتها الإنسانية إلى بلد لا نعرفه إلا من خلال إراقة الدماء مؤخرًا. شعرت بأنني سافرت في أعماق قلبها عندما أنهيت كتابها الرائع».
ويقول الممثل مايكل بالين: إن «ديانا دارك تكتب عن سورية بحب ووضوح وتمكُّن».
وقد أطنب ملحق تايمز الأدبي في مديح الكتاب إذ رأى أنه: «مكتوب برشاقة رواية ولون أدب الرحلات في أفضل حالاته… فما يقدمه الكتاب هو أكثر بكثير من مجرد مذكرات شخصية: أنه موسوعة انتقائية مكتوبة للتاريخ السوري، للعرب ولغتهم وتقاليدهم وللفن والعمارة الإسلاميين وغير ذلك.
صحيح أن ديانا دارك زارت سورية خمس مرات خلال السنوات القليلة الماضية إلا أن ما جعلني أطمئن إليها تماماً هو كتابها الجديد: «السرقة من العرب: كيف شكّلت العمارةُ الإسلامية أوروبا» الصادر عن دار هورست عام 2020.
وقد قالت الكاتبة للباحث زياد منى: «إنّ ما أيقظ لديّ الرغبة في كتابة هذا المؤلّف، هو الدعاية الكبيرة التي ارتبطت بحريق كنيسة نوتردام»، لذا أرادت أن تؤكد أن الأشكال المعمارية القوطية «مأخوذة من العمارة العربية-الإسلامية، وهي: القوس المدبب والقوس الثلاثي الفصوص، ونافذة الورود، والبرجان التوءمان، والأقواس الحجرية المدببة، والأقبية المضلّعة المرتفعة، والهيكل المضلّع، والنوافذ الزجاجية الملوّنة، وغيرها. «
ترى المؤلفة الشجاعة ديانا دارك أن «العمَارة المسيحية الأصلية الأولى لم تولد في روما وإنما في الشرق البيزنطي في القرون الرابع والخامس والسادس، عندما كانت سورية ومصر وبيزنطة مراكز العالم المتحضّر» وتضرب عشرات الأمثلة المدعمة بالصور التي تثبت أقوالها مثل «كاتدرائية نوتردام» في باريس، و«قصر وستمنستر» في لندن، وأبراج قاعة مدينة فلورنس التي هي نسخة عن مآذن الجامع الأموي في دمشق. كما تذكر العديد من المباني العربية التي كانت مصدر سرقة وإلهام للمعماريين والمهندسين الأوروبيين، وعلى رأسها قبة الصخرة المشرّفة وكنيستا قلب لوزة وسمعان العمودي في سورية.
شكراً للكاتبة ديانا دارك لأنها أثبتت لي مجدداً صحة مقولة المفكر السوري الكبير أنطون مقدسي: «كل يأس من الإنسان هو خطأ لا يغتفر».