شهد العام المنصرم رحيل كوكبة من الكبار في سورية، الكبار على مستوى السياسة والثقافة والفن والأدب، أكثرهم رحل متقدماً في العمر ويعاني من أوضاع وأمراض، لكنهم من الذين أثروا الحياة السورية، ومن الذين جعلوا السوري يباهي بسوريته ومنجزه على كل مستوى.
والطريف المؤلم أن بعضهم لم نسمع برحيله إلا عبر مواقع التواصل، من دون سابق إنذار تأتي صورة وعبارة للدلالة على رحيل هذا الشخص أو ذاك، وتنهمر وسائل التواصل بالتعازي التي تتزاحم بعبارات قد لا تكون مجدية على الإطلاق، وكل عبارة هي غير مجدية على كل حال، فالرحيل حصل، وسواء احتفينا بالشخص، أم كتبنا عبارات فيسبوكية، فإن الأمر لن يقدم ولن يؤخر.
فهذا أستاذ جليل قضى عمره يحمل حقيبة متواضعة، ولديه من العلم الكثير الذي زرعه في طلابه، وخرّج أجيالاً من الطلبة، ووداعه بعبارات جافة لا روح فيها ولا حياة، وبعد يوم تطوى هذه الصفحة من التعزية، ويتحول الشخص الجليل إلى ذكرى، وربما تجرأ بعضهم عن علم أو جهل ليذكر قضايا يدّعي معرفتها وحده، وهو بدراية وبغير دراية يسجل أشياء تنتقص من الراحل وأخلاقه وعلمه ومسيرته.
وهذا فنان كبير رحل، تتداعى الصفحات للحديث عنه، ووضع المقاطع من أعماله، وقبل رحيله لم يكن أحد يكترث به، وربما قضى سنوات من الفاقة والعوز والوحدة من دون أن يتكرم أحد الذين صنعهم بتشغيله وهو قادر، ومن دون أن تتقدم الجهات الوصائية لرعايته ولو معنوياً إن لم يكن بحاجة، أو لم يكن ذلك ممكناً!
وهذا مخرج كبير كبير، صنع المخرجين، واكتشف الفنانين، وصنع الدراما السورية، يقضي سنوات حياته وحيداً بلا عمل ولا أصدقاء، والذين صنعهم يدورون في كل الأصقاع يتنكرون له، ينتظرون رحيله لكتابة سطر في وسائل التواصل. هل تذكرون رياض ديار بكرلي؟
هل تذكرون هيام الطباع؟ هل تذكرون علاء الدين كوكش؟
وما أدراك ما علاء الدين كوكش صاحب الروائع من حارة القصر إلى أسعد الوراق إلى أبو كامل.. والذي لم تستطع كل التقانة أن تقدم رائعته أسعد الوراق بالمستوى نفسه رغم ادعاء منتقديه ومنتقدي مدرسته الإخراجية.. رحل علاء الدين كوكش بعد سنوات من الوحدة، ولم يقم له أي شيء لائق، وهو ليس بحاجته، وأذكر أن الشخص الوحيد الذي وقف عنده بحرقة كانت الكبيرة منى واصف التي بكته بحق، وقالت عنه كلام الصديق، وعندما نشرنا خبره في «الوطن» رأى السيد رئيس التحرير أن مقامه مهم ويجب أن نخصه بصفحة كاملة لمنجزه الإخراجي.
ويرحل فلان وفلان.. ولكننا لا نلتفت إلا وفق ميولنا وأهوائنا وانتماءاتنا، مع أن كل أستاذ من الأكاديميين، وكل فنان من الفنانين وكل مثقف من المثقفين، وكل أديب من الأدباء يستحق أن يتم تكريمه في حياته قبل رحيله، وأن يتم تكريمه بعد الرحيل، فالإرث الإنساني يجب أن يحفظ، وألا تكون الأمور متوجهة بالموضة والانتماء، مهما كان نوعه، سواء أحببنا هذا المبدع أم لا، اتفقنا معه أم لا، هو إرث سوري، وهوية سورية، وكل تقصير تجاهه هو تقصير تجاه سورية.. دعوة لوزارتي الثقافة والإعلام لإعداد كتاب عن الراحلين وتوثيق منجزاتهم، ولو كان معجمياً.. ربما نتجاوز تقصيرنا.