ثقافة وفن

أوائل الموسوعات العربية من «دائرة المعارف» إلى «الموسوعة العربية» رحلة في البحث عن العلوم

| نبيل تللو

ظهرت على رفوف مكتباتنا العربية بين عامي 1998 ــ 2008 م «الموسوعة العربية» في اثنين وعشرين جزءاً، بالإضافة إلى ملحقي الفهرس والمصطلحات، الصادرة عن «هيئة الموسوعة العربية» بدمشق، التابعة ــ حالياً ــ لوزارة الثقافة، متضمِّنةً معلوماتٍ أساسية لمختلف العلوم والمعارف مرتَّبةً أبجدياً، لتكون بذلك أول موسوعةٍ عربية شاملة تُكتب بقلمٍ عربي. غير أن هذه الموسوعة ليست الأولى من نوعها في وطننا العربي، فقد صدر قبلها العديد من الموسوعات، التي اكتمل بعضها، وتوقَّف البعض الآخر عن الصدور قبل إتمامها، واتَّخذت أشكالاً عدة بين موسوعةٍ عامة أو متخصصة، وبين مرتبة أبجدياً أو موضوعياً. في هذه المقالة سوف أستعرض أول ثلاث موسوعاتٍ عربية ظهرت في وطننا العربي في العصر الحديث، وقد مضى على صدورها مئة وخمسة وأربعون عاماً، راجياً أن يتذكر كرام القارئات والقراء ما نسوه، وأن يتعرفوا على ما لا يعرفونه.

فالموسوعة ـ تعريفاً ـ هي كتابٌ شامل لكلِّ العلوم والمعارف، أو لنوعٍ محدد منها كالتاريخ أو الجغرافيا أو العلوم، ويعتمد على الترتيب الأبجدي للمواد أو الترتيب الموضوعي، غالباً ما يشترك أكثر من كاتبٍ بكتابتها، وبالتالي فهي ناقلة للمعلومة وليست صانعةً لها، وتوصف بأنها «خزائن المعرفة الإنسانية».
غير أن مصطلح «الموسوعة» لم يبدأ استخدامه حتى ثلاثينيات القرن العشرين، واستُعمل لهذا المعنى مصطلح «دائرة معارف»، ذلك أن كل نقطة في الدائرة هي بداية ونهاية، وبالتالي فإن كل علم هو بداية ونهاية، كما أن كلّ علم يرتبط مع العلوم الأخرى عبر قطر الدائرة.

ــ يُعَدُّ كتاب: «آثار الأدهار ــ القسم الجغرافي»، من تأليف «سليم جبرائيل الخوري» و«سليم ميخائيل شحادة»، أول موسوعةٍ تصدر في تاريخ التأليف العربي اعتماداً على الترتيب الأبجدي، يتضمَّن إيضاح الجغرافيا القديمة والحاضرة يشرح حالة كل بلاد وذكر أسمائها المتعددة في الأزمنة المختلفة وإيضاح الجغرافيا الطبيعية والسياسية مع ذكر عدد السكان بحسب التقاويم الأخيرة، وإيضاح الجغرافيا الصناعية والمتجرية مع ذكر حاصلات كلِّ إقليم، وإيضاح الجغرافيا التاريخية بذكر أشهر الحوادث المتعلقة بكل محل ومكان.
الناشر: المطبعة السورية ببيروت عام 1875 م، 1291 هـ، أربعة أجزاء تغطي حرف الألف بكامله، وحتى كلمة «برْك» من حرف الباء، عدد الصفحات 788 من القياس الكبير، ولا أعرف إن كان قد صدرت أجزاءٌ أخرى أم لا.

ــ ويُعَدُّ كتاب: «دائرة المعارف وهو قاموسٌ عامٌ لكلِّ فنٍّ ومطلب» الذي أعدَّه بالترتيب الهجائي الأديب اللغوي المعلم اللبناني: «بطرس البستاني» (1819 ــ 1883 م) لكي يغني عن مكتبة ضخمة، ثاني محاولة في العصر الحديث لإصدار موسوعة شاملة في تاريخ التأليف العربي، فبين عامي 1876 ـ 1883 م صدرت الأجزاء الستة الأولى منه، ثم تابع ابنه «سليم البستاني» (1847 ـ 1884 م) العمل به، فأصدر المجلد السابع عام 1883 م، والمجلد الثامن عام وفاته 1884 م، وأستأنف العمل به ابناه: «نجيب البستاني (1862 ـ 1919 م)، و«نسيب البستاني» (1867 – 1913 م)، فأصدرا الجزء التاسع عام 1887 م، والعاشر عام 1898 م، والحادي عشر عام 1900 م، وانتهى عند كلمة: «عثمان باشا الغازي»، وأصدرته بطبعةٍ واحدة 11 جزءاً عام 1900 م دار المعرفة ببيروت، وبلغ عدد صفحاتها تسعة آلاف من القياس الكبير.
وفي سنواتٍ لاحقة حاول رئيس الجامعة اللبنانية العلامة «فؤاد أفرام البستاني» (1904- 1994م) تجديد المشروع من أصله، فأعاد النظر في الأجزاء المنشورة معدلاً ومضيفاً، وأدخل أبحاثاً جديدة بمساعدة متخصصين، وظهر الجزء الأول منها عام 1956 م عن المطبعة الكاثوليكية ببيروت، وتتابع صدور بقية الأجزاء حتى الرابع عشر عام 1983 م الذي انتهى عند كلمة «أطلس». وقرأت ومن دون أن أشاهده أن جزءاً خامس عشر قد صدر عام 1996 م بإشراف الدكتور: «متري سليم بولس»، وانتهى عند كلمة «أقرَّ»، ثم توقف العمل نهائياً.

ومع أن المعلومات الواردة في هذه الموسوعة ليس لها حالياً سوى قيمة تاريخية، إلا أن أجزاءها كانت ستصل -احتمالاً – إلى المئة أو يزيد، لو قُدِّرَ لها الاستمرار بالصدور، كيف لا وقد وصلت إلى الجزء الخامس عشر وما زالت في حرف الألف.

ــ أما كتاب: «آثار الأدهار ــ القسم التاريخي» لنفس كاتبي «آثار الأدهار ــ القسم الجغرافي»، فهو ثالث تأليف عربي موسوعي اعتماداً على الترتيب الأبجدي في العصر الحديث، ويتضمَّن تاريخ الشعوب القديمة والحديثة والمذاهب والنحل والمشيخات والطرائق والرهبنات والهيئات المدنية السياسية والحربية والمعاهدات الدولية والمجاميع الدينية والسياسية وشجرات الدول والبيوت الكبيرة، وتراجم وفيات المشاهير في كلِّ زمانٍ ومكان يذكر مناقبهم وأعمالهم واختراعاتهم واكتشافاتهم ومذاهبهم ووصف تآليفهم، وتاريخ الخرافات القديمة عند جميع الأمم والملل يذكر آلهتهم وأبطالهم وتقاليدهم وأعيادهم واحتفالاتهم وأسرارهم وكتبهم الدينية، وجميع الحوادث المشهورة والأيام المذكورة.
الكتاب أيضاً من إصدار المطبعة السورية ببيروت عام 1877 م،1292 هـ، عدد الصفحات 184 من القياس الكبير، الجزء الوحيد الموجود بين أيدينا يغطي فقط قسماً من حرف الألف، ولا أعرف إن كانت قد صدرت أجزاءٌ أخرى أم لا.
لا شكَّ أن هذه الأعمال الموسوعية الأولى قد شكَّلت حافزاً لنشوء تأليف عربي موسوعي بمختلف أشكاله في السنوات التالية، حتى بلغ ذروته عام 1998 م بصدور الموسوعة العربية بدمشق، التي تفرَّع عنها فيما بعد أربع موسوعاتٍ متخصصة هي: «الموسوعة القانونية»، «الموسوعة الطبية المتخصصة»، «موسوعة الآثار في سورية»، «موسوعة العلوم والتقانات»، التي ما زالت تصدر تباعاً في أجزاء.
ختاماً أقول: إن كل الموسوعات الوارد ذكرها في هذه المقالة هي من محفوظات مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، وبالإمكان استعارتهما ضمن القواعد المتَّبعة فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن