قبل موعد الانتخابات على الرئاسة الأميركية بين مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدين ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب في الثاني من تشرين الثاني الماضي، بعثت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بعدد من الأسئلة إلى شخصيات قيادية في الحزب الديمقراطي التي خاضت حملة للفوز بترشيح الحزب لها لانتخابات الرئاسة، وكان من بين الأسئلة: «هل توافق على إعادة فتح العلاقات الدبلوماسية مع سورية ورئيسها بشار الأسد إذا فزت بالرئاسة؟ وكان عدد هذه الشخصيات 21 مرشحاً ومعظمهم أعضاء في الكونغرس فأجابت السيدة تولسي غابارد بنعم وأجاب ثلاثة من بينهم بيرني ساندرز بأنهم منفتحون على خيار كهذا، وأجاب ثمانية بلا، وأبدى تسعة رأياً وسطياً بين الامتناع عن الإجابة وعدم الوضوح، من بينهم جو بايدين الذي أصبح رئيساً الآن وكذلك مايك بلومبيرغ رئيس بلدية نيويورك وصاحب مؤسسة «بلومبيرغ» الإعلامية الكبيرة.
هذا يعني أن أغلبية من هذه النخبة القيادية في الحزب الديمقراطي يختلف موقفها عن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وكذلك عن الرئيس الذي سبقه باراك أوباما، الذي بادر إلى شن الحرب على سورية ورئيسها من البداية في عام 2011 ولم يحقق سوى الهزيمة.
تدل هذه النتيجة أيضاً، على وجود آراء مختلفة داخل الحزب الديمقراطي في السياسة الخارجية الأميركية تجاه سورية ومنطقة الشرق الأوسط. ويبدو أن إدارة بايدين لن تتعرض لإجراء تغيير وزاري مماثل لما تعرضت له الإدارة السابقة حين قام ترامب بتغيير وزير الدفاع ثلاث مرات ووزير الخارجية مرتين، فهاتان الوزارتان الإستراتيجيتان للسياسة الخارجية الأميركية وأهدافها اختار من أجلهما توني بلينكين للخارجية، وكان قد عمل مع بايدين مستشاراً حين كان نائباً للرئيس للأمن القومي، والجنرال لويد أوستين الذي يقدر بايدين خبرته في الساحات الخارجية العسكرية ومهمات العمل مع الحلفاء.
ومع ذلك يبدو أن بايدين سيواجه تحديات داخلية صعبة ومعقدة خلّف مشاكلها ترامب وإدارته في السنوات الأربع الماضية وأخطرها ما نتج عن المظاهر العنصرية لتوجهات أنصاره في الأسابيع الماضية، حين حرضهم أثناءها ترامب على منع اتاحة الفرصة لاستلام بايدين الرئاسة بحجة أن ترامب هو الفائز وأن الديمقراطيين سرقوا منه فوزه. فقد بدأت تظهر منذ اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونغرس مؤشرات لتزايد ظاهرة العنصرية البيضاء داخل الولايات المتحدة عند أنصار ترامب ومراهنته عليها حتى بعد خروجه من البيت الأبيض حين أعلن بشكل غير مباشر في خطاب الوداع أنه لن يتوقف عن العمل على تصحيح ما يعده مؤامرة عليه.
ولذلك يرى المختصون بالشؤون الأميركية ومن مختلف الاتجاهات أن بايدين يستلم دفة القيادة واختار إدارة تحمل بعناصرها نوعاً، يعده جزء من الجمهور الأميركي الذي يميل لترامب، استفزازاً صارخاً لهذا الجمهور الذي قد يتكتل في إطار العصبوية العنصرية البيضاء القومية ضد تزايد سلطة الأميركيين من غير البيض في الحكم والقيادة، وستستغل هذه الفئة وجود نائب رئيس في شخص كامالا هاريس، امرأة والدها من أصل إفريقي وأمها من أصل آسيوي، للتحريض العنصري، خاصة أن الكثيرين من أنصار ترامب في حملته الانتخابية الأولى 2016 صوتوا له لأنهم لا يقبلون بأن تفوز منافسته هيلاري كلينتون لأنها امرأة، وقد لا يتحملون الآن وجود نائب رئيس امرأة وأيضاً غير بيضاء وقابلة إذا تعرض الرئيس بايدين لأي صعوبات صحية، وهو في الثامنة والسبعين ويعاني من بعض أمراض مزمنة، لزيادة صلاحيتها بل قد تصبح رئيساً إذا ما توفي الرئيس بايدن، فكيف ستتحمل هذه الفئة وجمهورها كامالا هاريس؟!
إضافة إلى ما يراه هذا التيار الأميركي العصبوي، الذي يعده ترامب رصيد قوة احتياطية له، يتوقع المحللون في واشنطن أن يرى أصحاب هذا التيار بوجود وزير دفاع أميركي من أصل إفريقي لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، فرصة تحريضية أخرى للتدخل بالمؤسسة العسكرية وخاصة أن عضوي كونغرس من الحزب الجمهوري رفضا التصديق على أوستين، ولذلك من المحتمل أن تنشغل الساحة الداخلية الأميركية، بمشاكل لم تكن تطغى على جدول العمل الأميركي قبل ولاية ترامب.
في السياسة الخارجية، يرى المختصون الأميركيون أن الوضع الراهن سيتطلب من بايدين إيجاد حلول سريعة في أفغانستان، وفي الموضوع الإيراني، وفي الموضوع السوري، بطريقة تميل إلى الطرق المغايرة التي اتسمت بالتصعيد من دون تحقيق الأهداف في عهد أوباما ولا في عهد ترامب الذي أضعف قدرة واشنطن على الردع في المنطقة. ولذلك يزداد الاعتقاد بأن بايدين سيجد نفسه مجبراً على تجنب السياسة الأحادية التي اتبعها ترامب والميل لسياسة تسمح بمشاركة أوروبية وروسية في ملفي إيران وسورية والمنطقة بهدف تحقيق مرحلة تنقل دول المنطقة إلى وضع يميل إلى الاعتراف الضمني بالأمر الواقع الذي فقدت فيه واشنطن جزءاً من قدرتها على فرض ما تريد.
في جميع الأحوال لم يعد النظام العالمي الأميركي الذي حاولت واشنطن فرضه في العقدين الماضيين قابلاً للحياة أو العمل أمام محور المقاومة ولا أمام روسيا والصين ودورهما المتزايد على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي.